المجلس الجديد.. “توازن إيجابي” بـ”أكثرية” معطّلة و”أقليات” مُبعّثرة و”بيضة قبان”!

/محمد حمية/

باستثناء حفاظ الثنائي “أمل” و”حزب الله” على كامل المقاعد الشيعية، لم تأتِ نتائج الانتخابات النيابية على قدر توقعات وتطلعات مختلف القوى السياسية، بمن فيهم حلفاء “الثنائي” نفسه.

ففي حين كانت عيون “عين التينة” و”حارة حريك” و”اللقلوق” منصبة على تثبيت أكثرية وازنة وخالصة، أي ما يربو على نصف عدد المجلس النيابي (64 نائباً)،  فشل تحالف “القوات اللبنانية” ـ فؤاد السنيورة، المدعوم من السفارتين الاميركية والسعودية رغم الإنفاق المالي الهائل، في نيل أكثرية مسيحية وازنة “تسحق” أكثرية “التيار الوطني الحر”، وحصد أكثرية نيابية مع حزب “الكتائب” وعدد من “قوى التغيير” و”المستقلين”.

بدورها سعت “قوى الحراك” لنيل كتلة وازنة تُشكل ثُلث المجلس، لكنها نالت أقل من نصف ما توقعت، علمًا أن “الثنائي الشيعي” لم يقُل إنه يسعى لنيل الأكثرية، ليس تعففاً، بل لعلمه بالتجربة الحيّة في حكومتين، أن الأكثرية النيابية التي كان يملكها في المجلس الماضي، لم يستطع صرفها في سوق “تركيبة النظام الطائفي” الذي يتطلب التوافق لا الاستئثار في الحكم، ولا في سوق الحصار والعقوبات الخارجية على الدولة والعهد و”حزب الله”، ولا في زمن الانهيارات الاقتصادية والمالية، فضلاً عن عزوف الرئيس سعد الحريري من المعادلة السياسية. وبالتالي أي أكثرية لم تكن لتغيّر في واقع الإنقاذ شيئاً، والحل الوحيد في الشراكة الوطنية واتحاد “الأكثريات” و”الأقليات” لتكوين جبهة وطنية لإنقاذ البلد.

أما “التيار”، فكان يتوقع أكثر مما ناله، مقعدي جزين أو مقعدٍ بالحد الأدنى، ونائب في بعبدا، رغم معرفته بحجم الحرب الداخلية والخارجية عليه.

فكيف توزعت التوازنات النيابية والسياسية في المجلس الجديد؟

– لا يمكن الحديث عن أكثرية نيابية لأحد، باستثناء أكثرية تحدث عنها السيد حسن نصرالله أمس، كمظلة أمان سياسي وشعبي للمقاومة وسلاحها لتحمي ظهرها من المكائد على غرار ما حصل في حكومة السنيورة عام 2008.

في المقابل لم يستطع تحالف “القوات” ـ السنيورة، المدعوم من السعودية، تأمين أغلبية نيابية تضع سلاح “حزب الله” أولوية للمعالجة، وتتحكم بالقرارات في القضايا الكبرى، كالتوطين وأزمة النازحين وترسيم الحدود… وحتى لو تحالفات القوات (18نائباً) والكتائب (5) مع كتلة “اللقاء الديمقراطي” (8) مع بعض نواب “التغيير”، فلن يؤمنوا الأكثرية، طالما أن الهوية السياسية للمجلس لاتزال تحمي المقاومة وفي القرارات السيادية والمصيرية، عبر تحالف يُشكل “الثنائي” (28) ونواب حلفاء (جميل السيد وينال الصلح وملحم الحجيري وجهاد الصمد وحسن مراد) وفراس أحمد السلوم (المقد العلوي في طرابلس) مع كتلة “لبنان القوي” (18) والطاشناق (3)، فيما يقف عدد من النواب على “مقاعد احتياط” المقاومة عندما “تحزّ المحزوزية” عدنان طرابلسي وطه ناجي (أحباش)، عماد الحوت (جماعة اسلامية) وأسامة سعد وعبد الرحمن البزري.

– يتلاقى “الثنائي” و”لبنان القوي” و8 آذار والحلفاء مع الكثير من “قوى التغيير” حول أن الأولوية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، بموازاة البحث بالاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان وليس لنزع سلاح المقاومة.

– يظهر تحجيم “قوى التغيير” بأقلية مؤلفة من 14 نائباً، ما يجعلها معزولة إذا قررت المواجهة مع تكتلات أخرى، ما يفرض عليها نسج تحالفات مع طرفي 8 و14 آذار.

– يمكن ملاحظة أن الطائفة السنية باتت موزعة على قوى عدة ولا يمكنها حتى تكوين كتلة وازنة، بل أقليات مشتتة ستجد مصلحتها الانضواء بكتل كبرى لتلعب دوراً مرجحاً عندما تكون “لعبة التصويت” على “المنخار”.

واستناداً الى ما سبق، يمكن استعراض التقسيم والتوازن التالي:

-أكثرية غير مرجحة من تكتل “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” والحلفاء و”لبنان القوي” و”الطاشناق” و”المردة”، مقابل “أقلية وازنة” من تكتل يضم “القوات” و”الكتائب” مع مجموعة من “قوى التغيير” والمستقلين، وأقليات أخرى مبعثرة كـ”اللقاء الديمقراطي” “بيضة قبان” وأقلية تتشكل من “المجتمع المدني” وأقلية من “المستقلين”. ويمكن اضافة أقلية ضئيلة من “تركة” تيار المستقبل: وليد البعريني ومحمد مصطفى سليمان (المعروفين بعلاقتهما المميزة مع سوريا)، وأحمد الخير وأحمد محمد رستم وعبد العزيز ابراهيم الصمد وعبد الكريم كبارة.

ما يعني أن تكوين أكثرية نيابية لن يكون بالأمر اليسير، ويتطلب مفاوضات مع مختلف مكونات المجلس. وتتشكل الأكثرية من التكتلات المختلفة بحسب الملفات والقضايا والاستحقاقات المطروحة.. “على القطعة”.. ففي ملف سلاح المقاومة على سبيل المثال تتكون أكثرية واضحة لصالح حماية المقاومة، وكذلك في مختلف القضايا الاستراتيجية، أما في الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية فسيكون الفرز مختلفاً، وستنقسم وتتشظى “التكتلات”.

التصويت على استحقاق رئاسة المجلس، على سبيل المثال، يختلف عما هو في ملف إعادة النازحين السوريين أو العلاقات مع سوريا أو دول الخليج، أو ملف انفجار المرفأ، بمعنى أن الأكثرية في ملف ما قد تتحول إلى أقلية في موضوع آخر، وبالتالي لا قاعدة تحكم المعادلة النيابية سوى طبيعة الملفات.

القراءة في سطور كلام السيد نصرالله، يتبين أن نتائج الانتخابات شكلت معادلة “التوازن السياسي الإيجابي”، إذ لم يعد “الثنائي” و”التيار الوطني الحر” مطالبون من ناخبيهم بتأليف حكومة، ولا من القوى المناهضة لهم التي أمضت سنين الانهيار والأزمات الماضية تراقب “جثة” العهد و”حزب الله” لتمر من النهر. بل جميع القوى ستكون مطالبة بالعمل لتأليف حكومة وتحمل المسؤولية، كون الأكثرية التي تستوجب تكليف رئيس وتشكيل حكومة باتت حاصل “الثنائي” و8 آذار و”التيار” زائد كتلة على الأقل أو كتلتين من كتل “القوات” و”الكتائب” و”الاشتراكي” و”المستقلين” و”المجتمع المدني”.