تصوير عباس سلمان

هواجس “الثنائي الشيعي”: “خُدعنا.. لإلغائنا”!

| خلود شحادة |

“من حقهم أن يعيشوا تجربتهم ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، فلا شرعية لأي سلطة تناقض صيغة العيش المشترك”.. هكذا اختصر “الثنائي الشيعي”، أو “الثنائي الوطني” كما يحب تسميته رئيس مجلس النواب نبيه بري، موقفه من الاستشارات النيابية التي أفضت إلى تكليف نواف سلام بتشكيل حكومة عهد الرئيس جوزاف عون الأولى.

“قطعت اليد” الممدودة للتوافق، بحسب ما عبر النائب محمد رعد، وهذا ما يزيح اللثام عن “انزعاج” شيعي عالي الصوت تمثل بـ”اللاصوت” بتسمية الرئيس في الاستشارات النيابية، والتي يشعر “الثنائي” أنها نقض اتفاقات مسبقة أكثر من أنها تداول وأخذ ورد.

وما بين “العيش المشترك” و”اليد المقطوعة”، نظرة ترقب لمحاولات الإقصاء الممتدة من الحرب الإسرائيلية، إلى زواريب السياسية اللبنانية.

ما جرى في جلسة انتخاب جوزاف عون رئيساً، كان واضحاً، مفاتيح قصر بعبدا كانت بيد “الثنائي الشيعي” الذي أعطى أصواته لقائد الجيش مقابل وعود أخذها منه شخصياً، كما من “الرعاية” الخارجية لترشيحه.

اولى هذه الوعود تتعلق بالحكومة ورئيسها وتوازناتها، ليبدأ نكث الوعود في أولى المحطات، بتكليف نواف سلام عوضاً عن نجيب ميقاتي.

يعتبر “الثنائي الشيعي”، أن أسلوب “المخادعة” و”المواربة”، مستمر، منذ وعود آموس هوكشتاين بعدم المساس بالضاحية، مروراً بقرار وقف إطلاق النار، ووصولاً إلى انتخاب رئيس الجمهورية.

على “جرعات” صغيرة، تتم محاولة إقصاء هذا المكون اللبناني.

ويرى “الثنائي” أن بداية محاولات إلغاء الحضور الشيعي كانت عبر الحرب العسكرية، التي تضمّنت اغتيال قادة من فريق “المقاومة”، لتدمير قوتها العسكرية.

يشعر “الثنائي” أن محاولة الإقصاء سياسياً، مستمرة، عبر إلغاء “الشيعية السياسية” في الحكم، في الحلقة ما قبل الأخيرة، حيث أن المشهد الأخير لإقصائها، سيتمثل باقرار قانون انتخاب هدفه إضعاف “الثنائي الشيعي” في البرلمان اللبناني.

رغم أن ما تناقلته وسائل الإعلام عن وعود بأن يكون ميقاتي رئيساً مقابل انتخاب عون، إلا أن هناك توجهاً داخل “الثنائي” يعتبر أن مشكلتهم ليست مع الإسم، إن كان نواف سلام أو نجيب ميقاتي، ويعزو مصدر في “الثنائي” لموقع “الجريدة” رفضهم لسلام بعد 17 تشرين إلى تمسكهم بخيار سعد الحريري، لما يشكله من قاعدة شعبية سنية، أي أنه لا “فيتو” على سلام، وبالتالي الثنائي اليوم بحالة ترقب حقيقية و”هادئة” لتوزيع الحقائب والتمثيل الوزاري في حكومة العهد الأولى.

ولكن هذا لا يخفي انزعاج بري واستياءه من الذي جرى.

الـ”كيف” والـ”متى” للرد الشيعي، ليست واضحة حتى الساعة على صعيد القيادة، إلا أنه لا يمكن القفز فوق احتقان الشارع الشيعي الذي يشعر بـ”الغبن” السياسي، ويستشعر محاولات الإقصاء.. بل وأكثر.. فالشارع الشيعي اليوم يشعر أنه يتعّرض لـ”حرب إبادة” سياسية بمؤامرة دولية، يشترك فيها كثير من الأطراف الداخلية، ما عدا الحليف “الوفي” بنظرهم تيار “المردة”، وهذا ما عكسته المواقف على مواقع التواصل الإجتماعي، وأحاديث البيوت والمقاهي.

الغضب القيادي المصحوب بغضب شعبي عارم داخل الشارع الشيعي، قد يتدحرج على صورة تصادم بين هذا الشارع وبين العهد الجديد الذي أقسم رئيسه بأن يكون رئيساً لكل اللبنانيين، ليخلق داخلهم سؤالاً واضحاً: “مش حاسبينا من الشعب”؟

وهذا ما سيشد العصب الشيعي، ويدفعه نحو الإلتفاف على قيادتيه بجناحيها “أمل” و”حزب الله”، خصوصاً بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها جمهور الثنائي من دم ومال وبيوت خلال العدوان الإسرائيلي.

وتترقب البيئة الشيعية مواجهة قوية خلال عملية التشكيل، في حال أظهرت الأطراف السياسية توحهها لإقصاء “أمل” و”حزب الله”، في حكومة الـ”تكنوقراط” المرتقب تشكيلها، إن كان على صعيد التوازنات داخل الحكومة، أو على صعيد الأسماء المطروحة لتولي الحقائب الوزراية، أو على صعيد حقيبة وزارة المال وسواها، رغم كل التطمينات التي يحاول كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اعطاءها لتبديد الهواجس.

سيكون “الثنائي الشيعي” أمام تحدٍّ كبير في مفاوضات تمثيله في الحكومة المقبلة، تتلخص بسيناريوهين:

الأول ـ الإصطفاف ضمن فريق المعارضة، حيث سيؤدي إلى غيابهم عن مرحلة تأسيسية جديدة لمستقبل لبنان بناء على الوعود الخارجية من جهة، والقَسَم الرئاسي من جهة أخرى، وبالتالي فإن غيابه عن عملية “الإصلاح والإنماء” قد تكون خطأ كبيراً، خصوصاً أن خصوم الثنائي سيستثمرون في هذا الغياب.

الثاني ـ مشاركتهما في الحكومة من خلال تمثيل لا يشكّل تأثيراً في توازناتها، وبالتالي على قراراتها، وبالتالي لا تكون هناك قيمة أو وزن أو تأثير لأي اعتراض قد يسجله وزراء “الثنائي الشيعي” على القرارات المتوقع أن تصدرها الحكومة، والتي تتعلق بالتعيينات وملف سلاح المقاومة والحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، حيث أن “الثنائي الشيعي” سيكون متهماً أمام شارعه أنه شريك في قرارات “الإعدام” بحقه سياسياً، بينما الواقع أن “الثنائي الشيعي” سيكون مجرّد شاهد عاجز عن إبعاد “السكين” عن رقبته.

كل هذه الهواجس تعيشها البيئة الحاضنة لـ”الثنائي الشيعي”، وكذلك مَن بقي مِن الفريق السياسي الحليف، في ظل الحرب الدائرة ضده منذ 7 تشرين الأول 2023. وهذه الهواجس تتلخص بأن ما لم يتم تحقيقه بالبندقية والمدفعية، سيتم تحقيقه بالمناورة السياسية التي نجحت في “خديعة” الثنائي، كما نجحت “الخديعة” في الحرب!