تصوير عباس سلمان

المسيحيون خارج الثنائية يتنفسون الصعداء

| عماد مرمل |

يترقّب اللبنانيون بأمل وتفاؤل المفاعيل الداخلية التي ستترتب على انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهوربة بعد أكثر من عامين على «التصحّر» السياسي الذي تسبّب به الشغور في قصر بعبدا، ما انعكس اضمحلالاً للانتظام المؤسساتي والدستوري وتفاقماً لكل أنواع الأزمات المتراكمة.

بهذا المعنى، يأمل الشعب اللبناني المنهك في أن يولّد انتخاب عون طاقة إيجابية، تعيد ضخ الدم في عروق البلد، واستنهاض مؤسساته، وإنقاذ اقتصاده، واستقطاب الاستثمارات اليه، وإعمار ما دمّره العدوان الاسرائيلي.

لكن، وإلى جانب كل ذلك، هناك من يرجح أن يؤدي انتخاب جوزاف عون أيضاً الى إطلاق دينامية جديدة في الساحة المسيحية التي كانت تسودها على نحو أساسي «ثنائية» «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، بحيث انّ الاحزاب الأخرى او الشخصيات المستقلة ستتنفس الصعداء وستتسع مساحتها في ظل وجود رئيس قوي، بعيد من نفوذ او تأثير القطبين المتعارف عليهما، «التيار» و»القوات».

وبناءً عليه، هناك من يعوّل على أن يؤدي وجود جوزاف عون في بعبدا إلى تعزيز التعددية السياسية في الوسط المسيحي، على حساب التخفيف من وطأة الحضور الطاغي للقوتين الكبيرتين، خصوصاً انّ من كانوا يعتبرون أنفسهم «مغبونين» سيجدون في وصول جوزاف عون إلى رئاسة الجمهورية فرصة لأخذ الروح والتقاط الأنفاس.

وما يعزز هذا الانطباع عند أصحابه، هو اقتناعهم بأنّ عون لن يكون رئيساً للجمهوربة وحسب، بل سيراكم مع مرور الوقت زعامة شعبية، خصوصاً في الوسط المسيحي، في اعتبار أنّ مجيئه إلى القصر من قيادة الجيش سيمنحه تلقائياً فرصة أن ينتزع حيزاً في الوجدان العام المسيحي الذي يتعاطف او يتفاعل «فطرياً» مع رموز المؤسسة العسكرية.

ولا تخفي اوساط مسيحية تتموضع خارج الاستقطاب «التياري» ـ «القواتي» تقديراتها بأن يؤمّن انتَخاب جوزاف عون البيئة المناسبة لكسر الحصرية الحزبية على الساحة المسيحية، وبالتالي اعادة رسم قواعد المنافسة السياسية داخلها بنحو مختلف.

ومن هنا، فإنّ القوى والشخصيات المسيحية التي لا تستظل بالبياضة او معراب ستكون الأكثر دعماً للعهد الجديد ودفاعاً عن خياراته الأساسية، وهو ما بدأت مؤشراته تظهر بوضوح من خلال مواقف بعض الأطر النيابية.

وتلفت الاوساط المسيحية إياها إلى انّ من عناصر قوة جوزاف عون انّه دخل إلى قصر بعبدا بزخم خطاب القَسَم الذي نجح في اجتذاب جزء واسع من الشرائح الشعبية، ومن بينها تلك المسيحية.

ووفق استنتاجات تلك الاوساط، فإنّ «القوات» تضرّرت من مجيء عون، أولاً لأنّ رئيسها سمير جعجع فَقَد فرصة لن تتكرّر مقوماتها للوصول إلى رئاسة الجمهورية. وثانياً، لأنّ الوهج المسيحي لجوزاف عون قد لا يساعده في تكبير حجم كتلة «القوات» في انتخابات 2026.

اما «التيار» فيواجه، وفق استنتاج تلك الاوساط، تحدّياً صعباً بدوره على صعيد تعزيز قاعدته الجماهيرية، إذ انّ أي اتساع في شعبية رئيس الجمهورية خلال فترة ولايته ربما يبدأ في الدرجة الأولى من الصحن البرتقالي، بفعل الرابط الوجداني الخاص بالمؤسسة العسكرية، فكيف اذا كان الرئيس السابق ميشال عون هو من اختار أصلاً جوزاف عون لتولّي قيادة الجيش، اي انّ الرجل كان محسوباً في الدرجة الأولى على «التيار الحر» قبل أن تؤدي أحداث حراك 17 تشرين إلى حصول خصومة بينهما.

أين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من المعادلة الجديدة وتحدّياتها؟

يجوز القول إنّ الرجل خسر الرئاسة وربح الرئيس. من حيث الشكل، يمكن اعتبار فرنجية خاسراً لأنّه لم يتمكن من الفوز بالمنصب الأول الذي كان يطمح اليه. اما في المضمون فقد ربح الشرط الأساسي الذي طرحه قبيل انسحابه، وهو ضمان وصول رئيس يستطيع أن يملأ الكرسي ولا يكون دمية في يد أحد.

وتبعاً للعارفين، لم يكن فرنجية ينظر إلى جوزاف عون على أساس انّه خصمه الشخصي في المعركة الرئاسية، بل كان يصرّ على اقتناع ثابت لديه، وهو أنّ الظرف هو الذي يأتي برئيس الجمهورية، وقد شاءت الأقدار السياسية ان يحمل هذا الظرف جوزاف عون إلى بعبدا بعد التحولات الكببرة التي حصلت لمصلحة محور على حساب آخر، عقب اغتيال السيد حسن نصرالله وسقوط نظام بشار الأسد.

وهكذا، تعاطى فرنجية بواقعية مع المتغيّرات، مترجماً ذلك ليس فقط بالانسحاب لمصلحة جوزاف عون، بل بالوقوف الى جانبه ومحضه كل الدعم السياسي، في إشارة واضحة إلى انّ الرجل سيكون حليفاً للعهد وليس مجرد مسهل لولادته، مع ما يمكن ان يرتّبه ذلك من انعكاسات على مستقبل الادوار في المعادلة الجديدة، ببعديها الوطني والمسيحي.

ويؤكّد المطلعون انّ العلاقة بين جوزاف عون وفرنجية تطورت خلال السنوات الأخيرة من عادية إلى جيدة، وانّ الاحترام المتبادل يسودها. ويدعو هؤلاء إلى وضع الواقع المسيحي، من الآن وصاعداً تحت المجهر عند كل استحقاق مفصلي ربطاً بعملية خلط الأوراق التي أحدثها انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية.