يصادف اليوم ذكرى مرور 23 عاماً على استشهاد الطفل محمد الدرة، في جريمة اغتيال وحشية على يد كيان الاحتلال الغاصب، لم يستطع الزمن محوها.
تحول الدرة إلى أيقونة من ايقونات القضية الفلسطينية ومسيرة الجهاد في مناهضة الاحتلال حتى التحرير، وقد ألّب الرأي العام العالمي حوله آنذاك، وامتدت التحقيقات في اغتياله على سنوات، حاول العدو عرقلتها وفبركة أحداثها عدة مرات.
هزّت قضية الطفل ضمير العالم عام 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية “انتفاضة الأقصى”، وكشفت عن مدى جرم ووحشية الصهاينة، الذين يطلقون الرصاص عمداً وبدم بارد على الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال.
ولد محمد جمال الدرة يوم 22 تشرين الثاني 1988 بمخيم البريج في قطاع غزة، وعاش في كنف أسرة تعود أصولها إلى مدينة الرملة التي احتُلت وطرد أهلها منها عام 1948.
والده جمال كان نجاراً، ووالدته أمل ربة منزل عانت كثيراً في تربية أطفالها في ظل ظروف البلد العصيبة، وقد درس محمد حتى الصف الخامس الابتدائي، وأغلقت مدرسته بسبب الاحتجاجات يوم استشهاده.
ضجت الصورة الشهيرة لجمال الدرة وهو يحضن طفله، العالم بأسره وأبكت البشرية، وخُلّدت إلى يومنا هذا، لما تظهره من ملامح الهلع والرعب على وجهيهما، وقد وثّق المشهد المصوران الفلسطيني طلال أبو رحمة، و الفرنسي شارل إندورلان “مصور فرانس2”.
حاول الأب يائساً أن يحمي ابنه بكل قواه، لكن الرصاص اخترق يد الوالد اليمنى، ثم أصيب محمد بأول طلقة في قدمه اليمنى وصرخ: “أصابوني”، ليفاجأ الأب بعد ذلك بخروج الرصاص من ظهر ابنه الصغير محمد، الذي ردد: “اطمئن يا أبي أنا بخير لا تخف منهم”، قبل أن يرقد الصبي شهيداً على ساق أبيه.
أيضاً، تحولت الجملة الشهيرة “مات الولد” إلى ايقونة وظلت تُسمع إلى الآن، حيث صرخ أحد المتواجدين آنذاك: “مات الولد برصاصة”، كحدث مستمر وإن اختلفت الأسماء والأماكن والتفاصيل.
في آخر تصريح تلفزيوني لجمال الدرة، قال: “أعرف قدرات ابني، كانت لديه قوة تحمُّل لا تُقاس بها الجبال، لكنها لم تساعده على تحمل الطلقات. لقد استُشهد، وجسمه امتلأ بالرصاص”، ووصف الوالد مشهد الاستشهاد بالمؤلم والقاسي، قائلاً: “أنا حتى هذه اللحظة أعاني بسبب الإصابات وأتألم منها، ولم أُكمل علاجي لهذا اليوم، علماً بأنّي أعيش على المسكّنات”.
وأضاف: “إطلاق الرصاص كان أقوى من زخات المطر، خلال 45 دقيقة من دون أي توقف. كان الاحتلال يريد أن يتخلص مني ومن محمد، بأي طريقة، الغبار الأبيض الذي خرج وقتها من الأرض بكثافة، كان عبارة عن قذيفة لم تصبنا، بل أصابت حافة الرصيف”.
اليوم، نجد الآلاف من الأطفال الفلسطينيين يُقتلون على يد آلة الحرب الإسرائيلية، من دون رأفة او انسانية وغير آبهين بعقاب أو مسؤولية، بسبب الصمت العالمي والتعتيم الإعلامي الغربي المتعمد، وغياب جمعيات حقوق الإنسان والمحاكم التي يُفترض بها أن تعاقب المجرمين، أقله في القضايا الإنسانية.
إن جهاد الأطفال الفلسطينيين لا يقل أهميةً عن المقاومين بالسلاح، فهم يحملون محمد درة بقلوبهم يومياً، وهم ذاهبون إلى المدرسة وإلى الصلاة وإلى الكشاف.. هكذا لم يمت محمد الدرة!