| محمد وهبة |
لم ينجم عن اليوم الأول لزيارة وفد صندوق النقد الدولي للبنان ما يوحي بأن موسم التفاؤل سيحلّ قريباً. بالعكس، ما رشح عن لقاءات وفد الصندوق أمس، يشي بأن وقت الحلّ لم يأت بعد. فممثلو الصندوق يتحدثون عن تقاعس القوى السياسية في مقاربة الحلّ، ووصل بهم الأمر إلى الإشارة إلى أن إقرار الحكومة لمشروع معالجة أوضاع المصارف، سيكون نصيبه النوم في أدراج المجلس النيابي. قناعة ممثلي الصندوق، أن هذه القوى ليست جاهزة لمعالجة ملف توزيع الخسائر. أحد موظفي الصندوق قالها بصراحة أمس: «لماذا لا يبادر أيّ من المسؤولين السياسيين إلى مصارحة المودعين بأن الأموال لن تُدفع في المدى المنظور؟ فمن اللافت رؤية أن اللبنانيين يتعايشون مع ما حصل بينما المسؤولون لا يبدون اهتماماً بالتقدّم خطوة في اتجاه الأمر».
وكان وفد صندوق النقد برئاسة ارنستور راميريز ريغو، زار أمس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثم وزير المال يوسف الخليل وبعدهما حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري. وعلى الغداء، كان وفد الصندوق ضيفاً على مائدة مجموعة من أصحاب المصارف، وناقش معهم الكثير من التفاصيل التي تتمحور حول خطّة معالجة أوضاع المصارف. تقول مصادر مطّلعة، إن دوافع الزيارة التي يقوم بها وفد الصندوق لا تنحصر في إطار «مهمة البعثة الرابعة» التي تأجّل تنفيذها لأسباب مختلفة، بل إن الصندوق تلقّى الكثير من الرسائل السياسية والمصرفية التي تطلب منه التدخّل وممارسة الضغوط على القوى السياسية من أجل وضع خطّة عملانية تتضمن بندين أساسيين: معالجة أوضاع المصارف، وتحريك النشاط الاقتصادي. وتحدّث الوفد عن أن مهمته باتت تقتضي إقناع مجلس النواب بالتعاون مع الحكومة من أجل إقرار مشروع جديد لمعالجة أوضاع المصارف (إعادة هيكلتها ضمناً). تطرّق النقاش بحسب المصادر إلى أن النسخة الأخيرة من المشروع التي أُعدّت بين ثلاثة أطراف: مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، لم تبصر النور لأنها ليست صالحة، ولا سيما أنّ لدى منصوري تحفّظات عليها (الواقع أن منصوري كان يتبناها، لكنه تحفّظ عليها بعد بروز تحفّظات من مراجع سياسية عليها).
وفي هذا الإطار، قالت المصادر إن وفد الصندوق أجرى نقاشات محورها ما لمسه من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بشأن استعداد هذا الأخير للسير بالمشروع بصيغة جديدة. إلا أن أصحاب المصارف تحدّثوا عن قناعتهم بأن إقرار رئيس الحكومة ليس كافياً باعتبار أن «المجلس لن يوافق على المبادئ التي توافق عليها المصارف». بهذا المعنى، يبدو أن ميقاتي أقرب إلى إقرار مشروع توافق عليه المصارف، لكن ليست هناك جهوزية في مجلس النواب للسير بمشروع كهذا. فالمشروع الذي قد تتوافق عليه المصارف مع الحكومة، يقوم على تحميل الدولة خسائر بقيمة 50 مليار دولار، وهو أمر يتطلب، بحسب أحد موظفي الصندوق «مصارحة المودعين بأن الخسائر واقعة لا محالة وأنه لا يمكن في المدى المنظور ردّ الودائع». لذا، ينقل عن ممثلي الصندوق، إبلاغهم المصارف، أن لديهم تحفّظات تجاه «رمي المسؤولية والعبء الكبير على الدولة التي يبدو أنها في وضع مالي دقيق؛ فهي من جهة ستقترض من الصندوق، ولا يمكنها بالتالي تسديد قروض الصندوق بالتزامن مع تسديد ما سيتم تحميلها من ودائع، فضلاً عن أن قدرتها على الجباية باتت محدودة جداً ولا يمكن زيادتها أكثر من ذلك بسهولة، كما أنه سيكون على عاتقها تنشيط الاقتصاد لأنه لا يمكن القيام بذلك من دون مساهمة الدولة». وفق المصادر، فقد اطّلع وفد صندوق النقد على «وضع مأساوي للإدارة العامة» بشكل يدفعه إلى القول بأنها إدارة غير منتجة نهائياً.
وامتنع ممثلو صندوق النقد عن إبداء رأيهم التفصيلي بمشروع معالجة أوضاع المصارف الذي اقترحته الحكومة ثم سحبته من التداول، إذ يعتقدون أن ما «يُتفق عليه بين الحكومة والمجلس النيابي هو ما يوافق عليه الصندوق»، لكنهم يشيرون إلى اطّلاعهم على مسوّدة مشروع تقوم على أنه يجب سداد ودائع بقيمة 85 مليار دولار في مقابلها تسليفات لدى المصارف بقيمة 3 مليارات دولار (بالعملة الأجنبية) ونحو نصف مليار دولار (بالليرة) وأن يتم تشجيع المصارف من قبل المصرف المركزي على ضرورة تحفيز المقترضين على سداد ودائعهم وليس بالضرورة بـ«الفريش». والخطّة التي اطّلع عليها الصندوق، تقتضي شطب الفوائد الإضافية التي مُنحت للمودعين بما يزيد على 2% تُحتسب اعتباراً من عام 2015 وقيمتها الإجمالية 8 مليارات دولار، على أن يُشطب أيضاً مبلغ 7 مليارات دولار هو حصيلة الأموال غير المشروعة المودعة في المصارف والتي لا جهوزية لدى أصحابها لكشف السرية المصرفية عنها. وفي المقابل، ستدفع المصارف نحو 10 مليارات دولار من موجوداتها، وسيدفع مصرف لبنان مبلغاً مماثلاً ما يكفي لسداد 85% من الودائع ضمن سقف الـ100 ألف دولار، وبالتالي سيبقى مبلغ 50 مليار دولار سيُلقى على عاتق الدولة سواء عبر صندوق أو خلافه.
إزاء هذا الأمر، كرّر المصرفيون موقفهم من الأزمة التي يحاولون التملّص من أي مسؤولية عنها ورميها على الدولة، إذ أبلغوا وفد الصندوق بأنه ليست لديهم القدرة على دفع مبلغ أكبر من الـ10 مليارات دولار، وأن التهديد باستقدام مصارف أجنبية ليس مفيداً لأن الأمر يعني «إغلاق المصارف المحلية»، ويطالب هؤلاء بأن تتحمل القوى السياسية مسؤولياتها في تسديد الـ50 مليار دولار، وهم يدركون بأن معالجة أوضاع المصارف حالياً تتم من خلال معالجة المصارف الصغيرة من خلال أداة «الإدارة المؤقتة» ووضع اليد عليها بواسطة الهيئة المصرفية العليا، لكنهم يريدون من لجنة الرقابة على المصارف أن تعدّل آليات تخمين المحافظ العقارية التي سيتم احتسابها في رؤوس الأموال.