| رندلى جبور |
لم يتضّمن الإعلان الرسمي الإيراني في شأن وفاة رئيس الجمهورية الإسلامية إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان وآخرين، في حادثة الهليكوبتر التي شغلت العالم، أي إشارة إلى شبهة حصول عملية اغتيال.. إلا أنه، مع ذلك، تبقى هذه الفرضية قائمة.
ولكن إيران، وهي البلاد غير المنفعلة أساساً على الرغم من كل الضربات، لن تسرع إلى مثل هذا الاعلان، قبل الإنتهاء من التحقيقات وكشف الملابسات لتفكيك “شيفرة” الترابط بين توقيتين: “القدر” و”الطوفان”، خصوصاً ان المشهد ـ على غموضه ـ لم يحمل بصمات واضحة للأعداء، على غرار باقي الاغتيالات، ولأن الاتهام العلني والسريع يحتّم رداً علنياً وسريعاً هو أيضاً، ويبدو أن الأوان لم يحن بعد.
وإلى أن تبرد الدماء، يبقى أنهم “رحلوا”، كما عَنْوَن الإعلام الاسرائيلي، قبل ساعات طويلة من الاعلان الرسمي، والإسرائيليون يضحكون في سرّهم، مهللين لسقوط أحد رؤوس محور المقاومة في غابة بعيدة هبّت فيها عاصفة وتداخلت بعواصف الحرب القائمة.
وإذا ما أردنا الركون إلى استنتاج تفرضه نظرية “المؤامرة”، وهو أن هذه العاصفة بنتائجها “مدبَّرة”، فنخلص إلى ان الولايات المتحدة والعدو الاسرائيلي متورطان، ولأهداف كثيرة أبرزها:
1 ـ قطع حبل التفاوض، الذي كان استؤنف منذ شهرين في سلطنة عمان، بين واشنطن وطهران، وبالتالي القول إن الزمن ليس للتواصل ولا للحلول الدبلوماسية.
2 ـ قطف صورة يخرج بها العدو منتصراً من حرب “طوفان الاقصى”، والتي فشل فيها بتحقيق الأهداف على أرض فلسطين، فحصدها مباشرة من شمال إيران على الحدود مع أذربيجان، الحليف الاستراتيجي للشيطان، علّه بدم إبراهيم رئيسي يكتب انتصاره ويرقص في احتفالية ينتظرها منذ حوإلى ثمانية شهور. ولكن إيران بصمتها الاستراتيجي منعت عنه الاستثمار في هذه الصورة.
3 ـ إضعاف محور من خلال رحيل أحد رموزه، وبالتالي، وفق ظن “إسرائيل”، توجيه سهم إلى معنويات المقاومة وبيئاتها، ودفعها إلى الكسل والتراجع. ولكن نلفت هنا إلى أن عمليات المقاومة استمرت بالتوازي مع عمليات البحث عن الطائرة المنكوبة.
وهذا الاستنتاج أتى بناء على أسئلة، من طراز:
ـ لماذا الطائرة الرئاسية بالذات هي التي سقطت في العاصفة لا الطائرتان المرافقتان؟
ـ وهل يمكن أن يتلاقى توقيت القدر بتوقيت “الطوفان” بمحض الصدفة؟
ـ هل في عقلنا العادي يمكننا أن نصدّق أن رئيس إيران ووزير خارجيته، اللذين يمتلكان دوراً محورياً في بناء قدرات المجموعات المقاوِمة التي تقاتل من أجل القضية الفلسطينية حتى الاستشهاد، يموتان ميتة كتلك؟
وعلامات استفهام أخرى تجعلنا نذهب إلى الاعتقاد أن “البريء” متهم حتى تثبت براءته، وليس العكس.
أما الاستيعاب الإيراني لما حدث، فمفهوم في التكتيك الذي يؤدي إلى نجاح الاستراتيجية.
وإذا ظن البعض أن ضحكة “إسرائيل” العريضة، ومن خلفها قهقهة جو بايدن الذي عاد مسرعاً إلى البيت الأبيض، هي انتصار، فهو واهم، لأن الورقة التي تبدو مربحة على المدى القريب، هي ورقة خاسرة على المدى البعيد.
وكل دماء سقطت للمحور كانت، على ألمها، دافعاً للمثابرة والتطور، وإضافة نقاط على طريق الانتصار الكبير.
وكل حدث جلل قد يكون نصراً للمصاب به، والتاريخ شاهد، وخصوصاً الشيعي، من الحسين إلى السيد عباس، ومن مغنية إلى سليماني، ومن غضنفر ركن ابادي إلى رضي الموسوي، ومن المهندس إلى الزاهدي، ومن هادي إلى جواد… فكل الاسماء كتبت بدمائها موتاً بطيئاً لكيان العدو.