| فرح سليمان |
ليلة القدر هي الليلة المباركة التي أنزل الله فيها القرآن الكريم، والتي قال عنها الله في القرآن إنها “خير من ألف شهر”، وتحمل مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، ليس فقط من الناحية الإيمانية، بل أيضاً لما ارتبط بها من حكايات ومعتقدات شعبية تناقلتها الأجيال على مر الزمن.
هي ليلة تتنزّل فيها الملائكة بالسلام والبركة، ويستجاب فيها الدعاء وتُغفر الذنوب.
الثابت عند جميع المسلمين أنها واحدة من الليالي العشر الأخيرة من شهر الصوم والتي يأتي ترتيبها بالمفرد، يحييها السنّة في ليالي 21 و23 و25 و27 و29 من رمضان، ويحييها الشيعة في ليالي 19 و21 و23 من رمضان.
بين الأسطورة والروحانية
تراكمت عبر العصور، العديد من الحكايات والروايات الشعبية حول معجزات ليلة القدر.
من هنا، بدأ الناس ينظرون إلى هذه الليلة على أنها فرصة لتحقيق المعجزات وتغيير الأقدار، فانتشرت الروايات الشعبية.
ويحكي كثيرون عن مشاهدات غريبة وأحداث ترتبط بليلة القدر، كظهور أنوار ساطعة، وسجود الأشجار، أو تحقق الأمنيات بشكل إعجازي.
هناك من يروي أن السماء انفتحت أمامه، ومن يتحدث عن أنوار تغمر المكان بشكل غير عادي.
وهناك من يتحدث عن مشاهدته الأشجار ساجدة. وهناك من رأى الحيوانات ساجدة.
هذه الحكايات، رغم افتقارها إلى أدلة عقلية أو شرعية، تظل جزءاً من التراث الشفهي الذي تأثر به الكثيرون، خصوصاً في المجتمعات التي يختلط فيها الإيمان بالأخبار الشعبية.
وهناك قصة عن فتاة التي أخرجت رأسها من النافذة وهي تقول “ربي أطِل رقبتي” بدلاً من “ربي أطِل عمري”، فانتهى بها الأمر برقبة طويلة تنتظر ليلة القدر القادمة لتعود إلى طبيعتها، هذه القصة تبدو أشبه بالأساطير القديمة التي كانت تهدف إلى ترسيخ قيمة الحذر والانتباه عند الدعاء.
مزيج من الحقائق والموروثات الشعبية
من بين القصص الشعبية المتداولة، قصة “زهيرة” التي، بعد معاناة مع الطلاق والاضطهاد، شعرت بنور يغمر غرفتها في ليلة القدر ودعت الله أن يرزقها زوجاً صالحاً، فتحققت دعوتها سريعاً. وعلى نفس النهج، هناك قصة “فطيمة” التي كانت تعاني من مرض عضال واستيقظت ذات ليلة لترى نوراً غير طبيعي، فدعت الله بالشفاء وتعافت بعد ذلك بشكل معجزة.
هذه القصص، وإن كانت تعكس إيماناً قوياً ببركة الدعاء في ليلة القدر، إلا أنها تتقاطع مع الرغبة في الأمل والخلاص من الأزمات، مما يجعلها مؤثرة في الوجدان الشعبي.
وعلى الرغم من انتشار المعتقدات حول انشقاق السماء أو ظهور أنوار خاصة في ليلة القدر، فإن العلماء يشددون على أن هذه الظواهر ليست مما ورد في النصوص الدينية كعلامات مؤكدة لليلة القدر، فانشقاق السماء، على سبيل المثال، ورد ذكره في القرآن كعلامة من علامات يوم القيامة: ” فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ” (سورة الرحمن ـ الآية 37)، وليس كعلامة خاصة بليلة القدر.
ومع ذلك، يرى بعض العلماء أن الله قد يكرم عباده الصالحين بإشارات خاصة يشعرون بها، مثل الطمأنينة والسكينة والرؤى الصالحة، مما يعزز الإيمان بقدسية هذه الليلة ويحفزهم على الإكثار من العبادة والدعاء.
وتأتي ليلة القدر كفرصة للتقرب إلى الله وتصفية النفس من الذنوب، ويظل جوهر هذه الليلة مرتبطاً بالعبادة والدعاء والعمل الصالح، وعلى الرغم من القصص المتداولة، فإن بركة ليلة القدر الحقيقية تكمن في إحيائها بالإيمان واليقين.
ففي النهاية، سواء كانت الحكايات المتداولة حقائق أو مجرد موروثات شعبية، فإن ليلة القدر تبقى لحظة روحانية عظيمة تدعو الإنسان للتفكر والتقرب إلى الله، والسعي لنيل رحمته ومغفرته في هذه الليلة المباركة.