القبلات في رمضان!

| كريستين بو ضرغم |

يتحول التلفاز في شهر رمضان المبارك إلى رفيق السهرات العائلية، وتصبح الدراما العربية جزءًا من التقاليد الرمضانية.

وفي خضم شهر العبادة، تتصدر المشاهد الدرامية القبلات الحميمية في بعض المسلسلات لتثير موجات من الجدل والتساؤلات.

فبينما يشهد الشهر الكريم تجسيدًا لقصص الحب والتضحية والوفاء، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن أن تلتقي الرومانسية مع روحانية رمضان في نفس الإطار؟

الفن بين الحب والتقاليد

لا شك أن القبلات في الأعمال الدرامية، بخاصة خلال شهر رمضان، قد تشكل محط أنظار كثيرة. قد يجد البعض في هذه المشاهد جزءًا من الجمال الفني، حيث تعكس طبيعة العلاقات الإنسانية في أسمى صورها، وتختصر الكثير من المشاعر في لحظة واحدة. ولكن مع كل قبلة، تتسلل أسئلة حول ما إذا كانت هذه اللحظة تتوافق مع الأجواء الروحية التي يحملها رمضان، الذي يحث على التأمل والتزكية النفسية.

قد يختار بعض المبدعين أن يلتزموا بالذوق العام في تقديم الحب ضمن إطار الأدب والاحترام، بعيدًا عن الإفراط في إظهار المشاعر الجسدية. في هذه الحالة، يمكن للحب أن يظهر في المسلسلات من دون الحاجة إلى مشاهد صريحة، بل يتم التعبير عنه من خلال نظرة عيون، أو همسات قلبية، أو حتى تفاصيل صغيرة في سلوك الشخصيات تجعل المشاهد يشعر بالحب من دون الحاجة للقبلة. هذا الأسلوب لا يفسد متعة المشاهدة، بل يضيف لها لمسة من الرقة واللطف التي تتناسب مع روح الشهر الفضيل.

واعتبر البعض أن المشاهد الحميمة بين أبطال المسلسلات، لا تخدم السياق الفني والدرامي بل تشوه الصورة النمطية للفن العربي.

وإنتقد المشاهدون مشاهد القبلات معتبرين أنها تشبه أعمى بالفن الغربي، لا أكثر.

قبلة آدم وحنين في مسلسل “بالدم”

أحدث كل من ماريلين نعمان وسعيد سرحان حالة من الجدل بمشهد جمعهما في مسلسل “بالدم”، بعد أن جمعتهما قبلة رومانسية.

وأكدت نعمان خلال مقابلة تلفزيونية إحترامها لرأي الجمهور ونظرته، قائلةً: ” أنا أفهم التفاوت بالآراء، لأن الجمهور متنوع بين متحرر ومتشدد، لكنني أعتقد أن مشاهد العنف والقتل، أو الدعارة في المسلسلات قد تكون مؤذية للمشاهد أكثر من قبلة حب بريئة”.

آراء الجمهور

هذه ليست المرة الأولى التي يحارب الجمهور فيها بعض المسلسلات الرمضانية، ويضعها في خانات وتوصيفات “خدش الحياء العام”.
وبحسب التعليقات، نلاحظ أن عدداً كبيراً من المشاهدين اعتبروا أن المشاهد الحميمة لا تمثل المشاهد العربي ولا تعبر عن حقيقته.

وأكدت الممثلة وطالبة المسرح تالا محمود أن القبلات في المسلسلات بشكل عام تخدم سياق القصة، مشيرةً إلى أن “مشاهد القبلات الناقصة في المسلسلات صارت مملة بالنسبة للمشاهد، وإذا الدراما طالعة من مجتمعنا، فالبوسة شي طبيعي فيها”.

وأكدت محمود أنه على الرغم من الإنتقادات التي تواجهها المشاهد الجريئة لكتها تبقى “مشاهد حقيقية” وأقرب إلى الحقيقة.

كما قالت: “إما أن نرى مشاهد جريئة وقبلات حقيقة، إما أن يلغى حتى الحديث عنها، لأنه في الواقع لا يوجد نص بوسة، ودقة هاتف!”.

بدورها، أشارت الأخصائية النفسية صفية بو حمدان بحديث خاص لموقع “الجريدة” أن الكبت الجنسي ومنع الحديث عن الرغبات يشكل هاجساً لدى المشاهد وخوفاً من المشاهد الحميمية، وهذا ما يفسر تقبل المشاهدين للمشاهد الغربية، وعدم تقبلها في الفن العربي.

وقالت: “الكبت ليس فقط كبت الفعل، إنما منع الحديث عن القبلة أو الحميمية بين أفراد المجتمع، لذلك يصبح المشاهد بحالة إنكار للواقع ورفض تام”.

إلى جانب مشاهد القبلات، رفض الجمهور العربي مشاهد الخمر والرقص في المسلسلات الرمضانية، معتبراً أنها لا تشبه “المجتمع العربي المحافظ”.

مسلسل “إش إش”

مسلسل “إش إش” للفنانة المصرية مي عمر لاقى إنتقادات لاذعة، واعتبره البعض “سحق للأجيال القادمة”.

في حين قال الناقد أحمد سعد الدين: “كل هذا الكلام غريب على الدراما لأن أصل الدراما إننا ما تخدش حياء ولا نجرح أذن ولا عين المشاهد.. دي دراما تلفزيون بتدخل البيوت”.

مسلسل “تحت سابع أرض”

في خضم الإنتقادات والمعايير الرمضانية، من الغريب أن تصبح عبارة تيم حسن في مسلسل “تحت سابع أرض”: “ابن الأحبة”، معتمدة من الجمهور نفسه الذي ينتقد المشاهد الجريئة.

وفي مقابلة خاصة لموقع “الجريدة” قالت الأخصائية النفسية نجمة فياض إن الأسباب النفسية الرئيسية لرفض المجتمع العربي للمشاهد الحميمية في رمضان تعود للأفكار والمعتقدات الأخلاقية خصوصاً في هذا الشهر الفضيل، حيث يعمل الأفراد على التقرب اكثر من الله وبناء العادات السليمة، معتبرةً أن هذه المشاهد تتناقض مع أفكارهم وعاداتهم.

وأضافت: “الأفرد يعملون على زيادة المعايير الدينية والأخلاقية خلال شهر رمضان، لذلك يزيد النفور من المشاهد الخادشة للحياء إيماناً منهم أن هذا الشهر من السنة مخصص لكسب حسنات وعادات افضل”.

وفي الحديث عن المشاهد نفسها وكيفية تقبلها من الغرب، اعتبرت أن المجتمع العربي يقبلها لأنها تعبر عن مجتمع يملك عادات تختلف عنه، ولا تمثله.

وقالت إن ” المشاهد التي تتناقض مع عادات العرب، تزعزع الصورة العامة لهم في نظر المجتمعات الأخرى، وهذا ما يسبب رفضاً قاطعاً لها حفاظاً على المعايير الدينية والأخلاقية”.

وأشارت إلى ان الأفراد الذين يشاهدون مشاهد يرفضونها في الواقع، يعانون من إنفصال عن واقعهم أو حتى يعبرون عن رغبات مكبوتة، لا يعبرون عنها في حياتهم اليومية، وهذا ما يسبب تناقض واضح بين ما يرغب به الأفراد ومعاييرهم الأخلاقية التي فرضت عليهم.

هنا يمكن طرح الإشكالية الحقيقية “هل الرفض للمشاهد الحميمة، تعود لرغبات مدفونة في أعماق الأشخاص خوفاً من أحكام المجتمعات؟”، “أم أن السبب الحقيقي هو الإقتناع بضرورة الحفاظ على الهوية التي تمثل العرب في الخارج؟