رجل الميدان والسياسة.. من هو قاسم سليماني؟

قاسم سليماني، رجل إيران الذي اختار أن يقارع أميركا و”إسرائيل”، وهو رجل الميدان والسياسة من إيران، إلى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن.

في بداية عام 2020، اتخذ القرار في البيت الأبيض بتجاوز الخطوط الحمر واستهداف قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني قاسم سليماني، نفذت طائرات أميركية الإغتيال على بعد أمتار من مطار بغداد الدولي، ليُغتال الرجل برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.

من هو قاسم سليماني؟

هو ضابط عسكري إيراني ولد عام 1957، لعب دوراً محورياً في تمدد النفوذ الإيراني الخارجي، وعُدّ في بلاده بطلاً قومياً، شارك في الثورة الإسلامية الإيرانية، وساهم في مواجهة الثورات الداخلية الكردية، وقاد لواء “ثار الله 41” في الحرب العراقية الإيرانية.

شغل سليماني منصب قائد “فيلق القدس”، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وتولى مسؤولية السياسة الخارجية في عدد من الدول الإقليمية، وأشرف على ملفات ساخنة لبلدان تأجج فيها الصراع، مثل العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن وأفغانستان.

حارب تنظيم “داعش” في المنطقة، وبرز اسمه في الصراع مع الولايات المتحدة التي اغتالته قواتها عام 2020، متذرعة بأنه خطط للقيام بعمليات هجومية ضدها.

ولد قاسم حسن سليماني يوم 11 مارس/آذار 1957 في قرية قناة ملك بقضاء رابور في محافظة كرمان جنوبي إيران. تنحدر أصول عائلته من القبائل البدوية لعشيرة سليماني التي قطنت في محافظة فارس، قبل انتقالها إلى أفغانستان والهند في عهد شاه إيران نادر أفشار، لتعود وتستقر لاحقاً في كرمان.

ينتمي سليماني إلى عائلة ريفية فقيرة عملت في الزراعة، وقد أجبرته الظروف المادية الصعبة على السفر إلى كرمان بعد إتمامه المرحلة الابتدائية للعمل في مجال البناء لمساعدة والده على سداد ديونه، ولم يتمكن من إكمال تعليمه، فتوقف بعد المرحلة الثانوية والتحق بسوق العمل وهو في الـ18 من عمره مقاولاً في مؤسسة مياه كرمان.

انخرط سليماني في الثورة الإيرانية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1979، وفي مطلع عام 1980 عقب قيام الجمهورية التحق بـ”حرس الثورة الإسلامية”، وأولى المهام التي أوكلت إليه مواجهة حركة التمرد الكردية التي تأججت عقب قيام الجمهورية واستمرت حتى عام 1983، فدرّب تشكيلات عسكرية ورافقها إلى مناطق العمليات، كما تولى لفترة قيادة جيش محافظة أذربيجان الغربية، ذات الأغلبية الكردية في شمال غربي إيران.

شارك في الحرب الإيرانية العراقية التي وقعت بين العامين 1980 و1988 وهو في العشرينيات من عمره، ودرّب كتائب عدة في كرمان تم إرسالها إلى الجبهات، ثم عيّنه قائد الحرس الثوري اللواء محسن رضائي عام 1982 قائدا للواء “ثأر الله 41” الذي ضم عناصر من محافظات كرمان وسيستان وبلوشستان وهرمزكان.

قاد سليماني لواء “ثأر الله” في الحرب على العراق، وهو اللواء الذي أحرز “تميزاً” في مهمات الاستطلاع خلف الخطوط العراقية، ونفذ عمليات عسكرية كبرى مثل “الفجر 8″ و”كربلاء 4” و”كربلاء 5″، واقتحم خلالها خطوط الجبهة العراقية، وبرز في تلك الآونة قائداً ناجحاً في الميدان.

وعلى إثر توقف الحرب الإيرانية العراقية عام 1988 رُقي إلى رتبة عميد، وعُيّن قائداً للحرس الثوري في محافظة كرمان، فتولى مهام أمنية على الحدود مع أفغانستان تتضمن مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود إلى إيران، وسرعان ما أصبح من أهم القادة العسكريين في المناطق الحدودية.

عام 1998، عيّنه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي قائداً لـ”فيلق القدس”، الذي يعد الفيلق النخبوي للحرس الثوري الإيراني وذراعه الخارجية، وأوسد إليه مسؤولية العلاقات الخارجية في عدد من الدول الإقليمية.

ومنذ تسلمه قيادة “فيلق القدس” طوره وأصبح العقل المدبر للأنشطة العسكرية الإيرانية في الخارج، ولعب دوراً رئيسياً في توسيع نفوذ إيران في الشرق الأوسط عبر تقديم المال والسلاح والتدريب للجماعات المسلحة الموالية، ودعم الحلفاء في المنطقة، والمشاركة الفعلية في الجبهات.

كان العراق ولبنان وسوريا مسرحاً مركزياً لعمليات “فيلق القدس” وقائده قاسم سليماني، وأصبح له وجود مؤثر فيها، حيث خلق علاقة صلبة مع “حزب الله” في لبنان، وتقارب مع الفصائل الفلسطينية، وأنشأ روابط متينة مع النظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد، وشارك في تأسيس الحشد الشعبي، وأنشأ شبكة علاقات سياسية وعسكرية واسعة في العراق.

كما حظيت مناطق أخرى باهتمامه، فدعم جماعة الحوثي في اليمن، وساعد الحركات المسلحة ضد طالبان أفغانستان، وساند المرجعيات الشيعية في البحرين.

وأبلغ سليماني قادة القوات المسلحة الإيرانية قبل اغتياله بأشهر قليلة أنه أنشأ محوراً في المنطقة من 6 جيوش، يبدأ من الحدود الإيرانية ويصل إلى شواطئ البحر المتوسط، وتتمركز هذه الجيوش والحشود الشعبية في مساحة تصل إلى أكثر من 1500 كيلومتر.

وقد استطاع الشهيد توسيع نفوذه إلى دول عديدة، أبرزها:

لم يغب سليماني عن المشهد الداخلي الإيراني، وشارك في الأحداث المهمة بالبلاد، وتدخل حينما تطلب الأمر، وقد كان أحد قادة الحرس الثوري الذين دفعوا السلطات الإيرانية إلى التصدي لثورة الطلاب عام 1999، وشاركوا في إخمادها.

عُرف سليماني “مقاتلاً ملتزماً” بالفكر الأيديولوجي للنظام الإيراني، فحاز على ثقة القيادات العليا، وتنامى نفوذه في الداخل، واستطاع تعيين مبعوثين في السفارات من كوادر الحرس الثوري الإيراني، كما حاز على مكانة قريبة من خامنئي الذي أثنى على جهوده ويسميه “الشهيد الحي”.

عُدّ سليماني في الداخل الإيراني “بطلاً قومياً” يدافع عن سيادة البلاد في الخارج، وأصبح مادة رائجة في وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة وحظي بشعبية واسعة، حتى أصبح ينظر إليه على أنه ثاني أقوى شخصية في إيران بعد خامنئي.

استطاع سليماني خلال مساره المهني الارتقاء إلى أعلى السلم العسكري.

ومن أبرز المناصب التي شغلها:

– قائد لواء “ثأر الله 41” بين العامين 1982 و1988.

– قائد الحرس الثوري في محافظة كرمان برتبة عميد عام 1988.

– قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري في الفترة بين عامي 1998 و2020 برتبة عقيد، ثم برتبة لواء منذ عام 2011.

– رتبة فريق بعد وفاته عام 2020.

نال سليماني يوم 10 مارس/آذار 2019 وسام ” ذو الفقار” الذي يعد أعلى وسام شرف في الجمهورية الإيرانية، وقلده الوسام خامنئي تقديراً لإنجازاته العسكرية، وكانت تلك المرة الأولى التي يحصل فيها قائد عسكري على هذا الوسام منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.

وأصدر مجلس الأمن الدولي عام 2007 قراراً يقضي بعقوبات تطال سليماني، تضمنت حظر السفر بحقه وتجميد أصول يملكها، كما صنفته أميركا “إرهابياً عالمياً” في العام 2011.

وفي سياق عقوباته المفروضة على النظام السوري، فرض الاتحاد الأوروبي في العام نفسه عقوبات على قاسم سليماني، وذلك لمساعدته في عمليات قمع المتظاهرين السوريين، وتقتضي العقوبات تجميد حساباته في أوروبا ومنعه من الحصول على تأشيرة دخول إليها.