“استشهاد” عمر كرامي!


| خضر طالب |

10 سنوات عبرت على رحيل عمر كرامي، ولم يحصل على إنصاف لمسيرته السياسية.

مات عمر كرامي مظلوماً، مثخناً بالجراح العميقة التي أنهكت قلبه وأضعفت قدرته على الصمود في مواجهة محاولات “الاغتيال” السياسي المتكررة التي تعرّض لها الرجل طيلة حياته السياسية.

في سنواته الأخيرة قبل الرحيل، كان يبدو عليه أن “الخناجر” أصابت منه أعماقه، وأنه قطع الأمل من إمكانية مواصلة السير في الطريق الصعب من دون طعنات، فقرّر الاستسلام للمرض قبل أن يغادر وهو يشعر بالفخر أنه “ما بدّل تبديلاً”، فأسلم روحه مظلوماً ليحتسب شهيداً.

خسره محبوه.. لكنهم أيضاً اطمأنوا إلى أنه ارتاح من ظلم من يفترض أنهم “ذوي القربى”.

وارتاح منه أولئك الذين كانوا يريدون عمر كرامي من فريق “أمرك سيدنا”، لأنه كان يقاوم محاولات الإخضاع، ولم يستسلم لأي سلطة أو مرجع. ولأنه رفض “تمنيات” صدرت عن “الباب العالي” وسلوكيات “عنجر”.. فدفع الثمن.

منذ ربع قرن بالتمام والكمال، تبلّغ عمر كرامي من “والي لبنان” آنذاك عبد الحليم خدام، مباشرة وبالواسطة، رسالة واضحة صريحة: “ستدفع ثمن عدم قبولك بتمنيات سيادة الرئيس بشار الأسد”. ابتسم عمر كرامي عند سماعه الرسالة وأجاب “كرامتي أغلى من أي شيء.. لا معنى للحياة من دون كرامة”.

في مسيرة عمر كرامي السياسية التي تزيد عن ربع قرن (27 سنة)، لم ينعم الرجل بفترة نقاهة من الطعنات التي كانت تنهال عليه في ظهره ووجهاً لوجه. سقط أخيراً مضرّجاً بالظلم الذي طاله، من الحليف والخصم، فاستحق الشهادة عن حق.

أصيبت مسيرة عمر كرامي السياسية بانعطافات حادة، صعوداً وهبوطاً، لكن الصعود كان لا يدوم طويلاً، بينما الهبوط الحاد كان هو المهيمن باعتباره ثمناً لعدم قبوله بالمساومة والمناورة والمسايرة وتقديم التنازلات. ولأنه كان لا يتراجع ولا ينصاع للضغوط ولا يتغيّر ولا يتلوّن ولا يتبدّل… بقي هو هو.

بقي عمر كرامي محافظاً على صفاته وثوابته: بريء، جريء، واضح، صادق، مباشر ولا يناور.. وقبل كل هذه الصفات هو “سنّي قح” لكنه معتدل جداً. وهو “طرابلسي متعصّب”، لكنه شمالي الهوى ولبناني الانتماء.

لم يخرج من هذا البيت إلا رجالات تعرف معنى الانتماء.

لم يحمل هذا البيت وزر نقطة دم.

لم يتلوّث هذا البيت بالصفقات والسمسرات.

لم يتسلّل إلى هذا البيت ذلك الفساد الذي صار “جائحة” تنتقل بالعدوى إلى معظم الطبقات السياسية التي توالت على حكم لبنان.

بقي عمر كرامي لبنانياً، نقيّاً، صافياً في إخلاصه، متعصّباً في تمسّكه بالحفاظ على الدولة وحماية مؤسساتها، عنيداً في التزامه بثوابته، كبيراً في حفظ كرامته…

لكن.. في النهاية.. “استشهد” عمر كرامي، بعد أن تم اغتياله مراراً وتكراراً.

كان يتمنى أن يكمل إبنه فيصل كرامي مسيرته وقد تغيّرت أحوال لبنان، وأن يكون بمنأى عن الطعنات، لكن الواقع ما زال على حاله: تغيّرت الأسماء، ولم يتغيّر السلوك. الخناجر التي طعنت عمر كرامي، تمارس “هوايتها” بطعن فيصل كرامي لعله يسقط باكراً، ولا “يتكرّر” نموذج عمر كرامي. الذين كانوا يدورون في فلك “الوصاية السورية” واستفادوا منها إلى أبعد مدى، يطعنون فيصل كما طعنوا عمر.. الظلم ينتقل من يدٍ إلى يد، والجرح يتمدّد، والعناد نفسه يواجه محاولات الاغتيال السياسي التي يتعرّض لها فيصل كرامي.

دفع عمر كرامي ثمن إيمانه بعروبته، وظلمه ما كان يسمّى “النظام السوري”.. والمفارقة أن من استفادوا من ذلك “النظام السوري” يحاولون اليوم “اغتيال” فيصل كرامي سياسياً!

بعد 10 سنوات على “استشهاد” عمر كرامي.. تغيّرت وجوه، لكن الخناجر هي نفسها!