التاريخ يعيد نفسه بتسميات مختلفة!

| مرسال الترس |

من يتابع الكتب والمخطوطات التاريخية، ولا سيما المتعلق منها بمنطقة شرق المتوسط الذي يضم اليوم سوريا وفلسطين ولبنان، لا يُفاجأ بما حصل ويحصل في أيامنا على هذه البقعة من الأرض التي شكّلت دائماً هدفاً لغزو القوى العظمى والجيوش الجرارة، أو ممراً، وأحياناً مستقراً لبعض الغزاة، إن باتجاه الجنوب او الشمال.

فقد جاء في بعض المؤرخات أنه في مطلع القرن السادس قبل الميلاد، استطاع الكلدان والماديون (أي الفرس) أن يهزموا الامبراطورية الأشورية التي امتدت سيطرتها من بلاد ما بين النهرين إلى مصر بأكملها، فتقاسما أراضيها: حيث “حصل الماديون على البلدان الواقعة شرق الفرات وشماله أي: إيران، أشور أرمينيا حتى نهر هاليس في أسيا الصغرى”. فيما “حصل الكلدان على جميع الأراضي الواقعة غرب الفرات وجنوبه حتى البحر المتوسط والحدود المصرية (أي بلاد ما بين النهرين، سوريا وفلسطين).

وكم تبدّل المشهد بعد هذا التاريخ من قوى وغزاة، لنجد أرض سوريا تتعرّض في القرن الحادي والعشرين لحملة عسكرية جديدة قامت بها فصائل مسلحة من جهة الشمال مدعومة من الدولة التركية التي تطمع بمساحات واسعة من أرض سورية، لاسيما في حلب وإدلب. فيما تولى جيش العدو الاسرائيلي من جهة الجنوب تدمير كل المقدرات العسكرية للجيش السوري، فاحتل أراضٍ جديدة في الجولان، وشن مئات الغارات الجوية أو عبر السفن البحرية مصمماً على حصر السلاح لدى أي قوى نظامية مقبلة على أرض سوريا بالأسلحة الخفيفة، كما أكد أكثر من مسؤول اسرائيلي على وجوب الانطلاق من الصفر في حال التفكير بمهاجمة الكيان اليهودي.

وفي هذه المعمعة، أبدى العديد من الأفرقاء اللبنانيين تخوفهم مما يمكن أن يحمله الآتي من الأيام من تطورات قد لا تكون في الحسبان. فالنظام البعثي، الذي حكم سوريا منذ ستينيات القرن الماضي، لم يعترف صراحة بالكيان اللبناني الذي خططه اتفاق سايكس ـ بيكو عام 1916 على هامش نتائج الحرب العالمية الثانية، ورسمه الجنرال الفرنسي هنري غورو عام 1920 التي أوكل الى دولته أمر استعمار لبنان مع سوريا، الى أن تم تبادل افتتاح سفارة سورية في بيروت ومثلها في دمشق عام 2008 في عهد الرئيس بشار الأسد.

أما اليوم، وبعد وصول “الجولاني” إلى السيطرة على سوريا، وهو الذي ما زال متهماً وتنظيمه بالارهاب من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها على خلفية الارتباط سابقاً بـ “داعش”، فهناك من يتوقع أن تتعثر العلاقة بين التنظيمات التي اجتاحت الأراضي السورية، وتدخل بين بعضها البعض في صراعات لا تنتهي، وهو ما خطط له اليهود قبل إنشاء الكيان على الأرض الفلسطينية.

بعد نحو أسبوعين على قيادة أحمد الشرع للسلطة الجديدة، وموافقة مختلف التنظيمات على الاندماج تحت امرة وزارة الدفاع المستحدثة، يبقى الخوف من حصول تطورات تقلب المشهد رأسا على عقب، على غرار الموقف المترجرج في المناطق الكردية، ما يؤشر إلى احتمالات مفتوحة على أكثر من مشهد يخدم المخططات اليهودية في شرذمة المنطقة إذا لم يتأبط الجميع التطبيع المرسوم له أن يدخل مختلف الافرقاء في صراعات لا تنتهي، ولا يستطيع أحد تقدير ما قد تحمله من عواقب مفتوحة على خرائط متعددة!