حرب السنة.. هل أخفقت المقاومة؟

| خلود شحادة |

أنفاس عميقة.. عداد لخسائر العدو.. وشعور فرحة عارمة عمّت أرجاء الدول التي آمنت بظلومية الفلسطينيين…

هكذا كان صباح 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

لم تكن “إسرائيل” بحاجة إلى “طوفان الأقصى” كي تبدأ حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وتهجير من تبقّى من أهل غزة، لفرض السيطرة على القطاع بشكل كامل.

جرائم الإبادة في كل فلسطين، لم تتوقف منذ النكبة، طموح العدو الإسرائيلي أن يمتلك الأرض من البحر إلى النهر. لم ينكفئ العدو يوماً عن السعي لتحقيق هذا الحلم. لذا، لم تكن عملية “طوفان الأقصى” سوى شماعة للصهاينة والمجتمع الدولي لتبرير جرائم “إسرائيل” بحجة “الدفاع عن النفس”، وتحميل المسؤولية إلى سجين حاول نيل الحرية، متناسين السجان وألم القيود والقضبان.

استمرت حرب الإبادة بوتيرة تصاعدية طوال عام كامل، والمجتمع الدولي يكتفي بـ”بس يا اسرائيل”، وكأنه يحاول منعها عن سلب قطعة حلويات من يد طفل.

يمكن طرح أسئلة كثيرة حول توقيت “7 تشرين الأول” والظروف واللحظة السياسية التي حصل فيها “طوفان الأقصى”، والذي شكّل انتصاراً تاريخياً على كيان الإحتلال. ليس انتصاراً للمقاومة بكل أطيافها فحسب، وإنما لكل الأمة.

ما خرج إلى الضوء من مشاهد في ذلك اليوم، لا يمكن أن يُمحى من ذاكرة الشعوب الحرة عموماً، والشعب الفلسطيني خصوصاً، لما خلّفته من نشوة انتصار طال انتظارها. وما مجازر العدو الإسرائيلي في لبنان وفلسطين إلا ثأراً لما عاشه من إذلال في ذلك اليوم.

يمكن اعتبار “7 تشرين” انتصاراً، لأن المقاومة الفلسطينية كانت تدري أن هذه العملية لن تؤدي إلى تحرير فلسطين من الإحتلال، ولكنها محطة فخر، في تاريخ شعب لم يقبل العيش بذل وتحت سطوة الإحتلال.

هدف هذه العملية كان تبييض السجون الإسرائيلية، عبر تحرير الأسرى الفلسطينيين، وتسجيل انتصار تاريخي على العدو الإسرائيلي.

دفع كيان الإحتلال أثماناً كبيرة، مقابل رفضه الرضوخ في الجزء الثاني أيضاً، عبر تحرير الأسرى الفلسطينيين، لأنه يدرك أن تحقيق هذين الهدفين للمقاومة الفلسطينية، سيكون بمثابة دق مسمار في نعش الكيان الزائل، على الرغم من أن المقاومة كانت قد تمكنت سابقاً من تحرير العديد من الأسرى بمعارك تشبه “طوفان الأقصى”، ومنها عندما تم تحرير يحيى السنوار، وأكثر من ألف اسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية، مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط.

إذاً، هدف المقاومة الأساسي كان تحرير الأسرى، عبر عملية تفاوض.. لكن “إسرائيل” كانت تستعد للقضاء على حركة “حماس”، أو على الأقل اتخذت من “طوفان الأقصى” فرصة للقضاء عليها.

نقمة “إسرائيل” تضاعفت، عندما شعرت أن مسألة التطبيع مع باقي الدول العربية، وفي مقدمها مع السعودية، والتي كانت على بعد أمتار منها، قد جمّدت إلى أجل غير معلوم بسبب “طوفان الأقصى”، وهذا ما دفعه للنقمة بشكل أكبر على “حماس” التي خرّبت حسابات الاحتلال واتفاقات التطبيع.
توقعت “إسرائيل” أن القضاء على “حماس” سيكون مسألة سهلة، ولم يكن ضمن توقعاتها أن تتدخل جبهات الإسناد في هذه المعركة، اعتقاداً منها أن محور المقاومة لن يجرؤ على التدخل في هذه الحرب بعد أن “دبّ الرعب” بسبب المجازر التي ارتكبها.

وعلى عكس المتوقع، كانت العمليات العسكرية اليمنية والعراقية شبه يومية، بالإضافة إلى الجبهة الجنوبية في لبنان، والتي بقيت على مدى 11 شهراً تستنزف القدرات الإسرائيلية، على الرغم من كل الخسائر على الساحة اللبنانية.

كان الإسرائيلي يشعر بأنه يمسك بزمام المبادرة في غزة، ونجح بإضعاف “حماس”، حتى زاد الضغط على الجبهة الجنوبية، مما أشعره بأن الفرصة مؤاتية للقضاء على “حزب الله”، لإنهاء الخطر المقلق على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.

رغبته بالقضاء على “حزب الله” كانت تلجمها مخاوفه من نشوب حرب إقليمية، لأنه يعرف أن نفوذ “حزب الله” لا يقتصر على لبنان، كما هو حال “حماس” في فلسطين، بل إنه يمتد إلى إيران والعراق وسوريا. إلا أنه يبدو أنه نجح بتسويق قراره بالقضاء على “حزب الله” أميركياً، في لحظة أميركية حساسة مرتبطة بحسابات الانتخابات الرئاسية الأميركية.

هنا لا بد أن الكثير يسأل: لماذا لم تدم نشوة الإنتصار أكثر من يومين، لتبدأ بعدها “إسرائيل” بارتكاب المجازر، وتغيير وسائلها القتالية يوماً بعد آخر، في الوقت الذي بقيت فيه المقاومة معتمدة الإستراتيجية ذاتها؟

يمكن القول، إن العدو الإسرائيلي استطاع تسويق الرواية التي يريدها إعلامياً، عبر القول إن كل ما يقوم به في غزة بمثابة “دفاع عن النفس”.

ومن خلال هذا التسويق، وبعد مرور 11 شهراً، حصل كيان الإحتلال على تفويض أميركي لدخول الحرب، مصحوباً بدعم بري وجوي وتسليحي ومعلوماتي، لتقدم “إسرائيل” خدمة مقابلة لأميركا عبر تصفية جميع قيادات “حزب الله” المطلوبة على لائحة “الإرهاب” الأميركية.

بهذا الدعم، بدأ كيان الإحتلال بتنفيذ استراتيجية جديدة على جبهة لبنان، بعد ان اعتمدت “إسرائيل” دعاية مفادها أن “حزب الله” يقف أمام مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي تحدث عنه رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو في خطابه الشهير في “الأمم المتحدة”، قبيل بدء العدوان على الضاحية الجنوبية بنصف ساعة، وبعد 5 أيام على بدء العدوان الشامل على قرى جنوب لبنان.

بدأت المجازر الإسرائيلية تتوسع في لبنان، عبر قصف من دون سابق إنذار على كل قرى الجنوب، مروراً بصيدا، ووصولاً إلى البقاع وبعلبك والهرمل، بالتوازي مع تنفيذ عمليات اغتيال لكبار القيادات في “حزب الله” بشكل مباشر.. وصولاً إلى أمينه العام السيد حسن نصر الله، لتنفيذ ما يطمح به وهو إنهاء “حزب الله”، عبر القضاء على قيادييه وقدراته العسكرية واللوجستية، بعد أن قضى على كادره الإداري بمجزرتي الـ”بيجر” والأجهزة اللاسلكية، لكنه لم ينتبه إلى أن الحزب كان يعمل على ملء الفراغات بشكل فوري بعد كل عملية اغتيال لقيادييه، أي أن بنية الحرب العسكرية ما زالت متماسكة، وذخائره تكفيه لاستكمال الحرب، في ظل استمرار الدعم الإيراني.

بعد اغتيال السيد نصر الله، خرجت الحرب عن قواعد الإشتباك التي تثبتت لأكثر من 11 شهراً، لذا لجأ كيان الإحتلال إلى استهداف رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين، ليس فقط لأنه من المتوقع أن يخلف نصر الله، بل أيضاً لأن صفي الدين كان أكثر تشدداً ويرغب بتصعيد شامل للحرب.

هذا ما يخص جانب العدو الإسرائيلي واستراتيجيته وتكتيكاته، أما على المقلب الآخر، فإن المقاومة بقيت طوال الفترة الماضية تتفادى الإنزلاق نحو حرب شاملة لسببين:

– حرص “حزب الله”، والسيد نصر الله خصوصاً، على عدم توسعة رقعة الحرب، إلا أن الإسرائيلي كان يسعى لاستدراج إيران إلى حرب مع أميركا، عبر استفزازات عسكرية، ومنها اغتيال رئيس حركة “حماس” اسماعيل هنية في طهران.

– تعرض المقاومة لخديعة إسرائيلية ـ أميركية، بعد أن تم تبليغ المقاومة في لبنان، أن “إسرائيل” لن توسع رقعة الحرب. لكن، وبعد أن غادر الموفد الدولي لبنان، تم اغتيال فؤاد شكر، واغتيال هنية.

أسرع الوساطة القطرية إلى إيران، لعدم التصعيد حتى لا يتم تعطيل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة..

وافقت إيران من أجل إنهاء حرب الإبادة في فلسطين، وحتى لا تتهم أنها أعاقت وقف إطلاق النار من أجل “ثأرها”. ولكن كل التحليلات تقول، أنه لولا هذه الخديعة، ولو أن إيران ردت على اغتيال هنية، لما تجرأت “إسرائيل” على اغتيال نصر الله.

إذاً، بعد مرور عام على الحرب.. يبقى السؤال: هل أخفقت المقاومة في هذه الحرب؟

من المبكر القول إن المقاومة أخفقت في هذه الحرب.

يمكن القول إنها وقعت في بعض الأخطاء، بسبب هاجس حماية المدنيين والبيئة الحاضنة للمقاومة.

منذ اللحظة التي تجرأ فيها العدو الإسرائيلي على اغتيال فؤاد شكر، كان على محور المقاومة أن يعرف جيداً أن لا خطوط حمراء لدى “إسرائيل” في هذه الحرب.

تفجير الأجهزة أيضاً أنذر بأن العدو يسعى إلى تدمير “حزب الله” بالكامل، وبالتالي أيضاً كان يجب أن يكون الرد موسعاً من “حزب الله” لردع “إسرائيل” عن جرائمها.. وهنا أخطأ التقدير، حتى تجرأ الإسرائيلي على اغتيال نصر الله.
نتيجة الحرب يمكن الحكم عليها بعد تحديد شروط النصر والهزيمة.

اذا اعتبرنا أن النصر يكون بالإبادة، فإن الإسرائيلي يكون قد حقق النصر.

وإذا كان النصر يكون عبر الاغتيالات، أيضاً يكون الإسرائيلي قد حقق النصر.

أما إذا كان النصر بنجاح الإسرائيلي، بتفكيك “حزب الله” و”حماس”، فالوقت مبكر جداً على ذلك، طالما أن هناك صواريخ تصيب الأراضي المحتلة.

إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل أخفقت في التوغل البري، وواجهت مقاومة عنيفة من قبل مقاتلي “حزب الله” على الحدود الجنوبية، في العديسة ومارون الراس، وهذا ما ينفي فرضية أن يكون “حزب الله” قد انتهى، أو هزم.

العدو الإسرائيلي يحدد استراتيجية الانتصار بالقضاء على “حماس” و”حزب الله”، إضافة إلى تحقيق شرق أوسط جديد، وهذا ما قاله بحرفيته نتيناهو.
بالتالي، فإن إستراتيجية النصر التي حددها العدو الإسرائيلي لم تحقق الإنتصار حتى اللحظة.

يمكن أن يكون “حزب الله” و”حماس”، ومعهما محور المقاومة، قد تعرضوا لخسائر “كارثية” في البنية العسكرية، إلا أن الهدف العسكري الأساسي للحرب لم يتحقق حتى اللحظة:

– العدو لم يفرج عن أسراه من السجون الفلسطينية.
– لم يحقق الشرق الأوسط الجديد.
– لم ينهِ “حزب الله”، خصوصاً أن العمليات ما زالت مستمرة بل أكثر شراسة.
– الحرب لم تنته أصلاً، لتحديد الخاسر والرابح.
وبانتظار أن تنتهي الحرب، يبقى تثبيت قاعدتين:

الأولى، تقول إن العدو كلما هزم براً استشرس جواً، وبالتالي تكثيف غاراته هي محاولة منه لتغطية فشله عند الحدود البرية، بعد أن هددوا لعام كامل بالهجوم البري على قاعدة أنه “هزيمة لبنان”، ليكتشف أن الهزيمة لحقته وجنوده.

الثانية، تقول إننا نواجه عدواً يستحوذ على دعم كل الدول، يمتلك أكبر ترسانة عسكرية، وأكبر منظومة دعائية، لكنه لم يتمكن حتى اللحظة من إنهاء حالة المقاومة.. لأنها ستوجد حيث يوجد الظلم والإحتلال.. هذا ما أخبرنا به التاريخ.. وهذا ما ينتظره المستقبل!