لماذا تأخر “حزب الله” بخوض “الحرب الكاملة”؟

| علاء حسن |

جعلت آلاف العمليات التي نفّذتها المقاومة من لبنان، كيان الاحتلال الإسرائيلي يشعر بجدية الخطر الوجودي، والاستنزاف المستمر الذي أدى إلى كسب الكثير من النقاط على العدو خلال عام من إسناد جبهة غزة.

على أن “الإسناد” لم يكن يستطيع منع الإبادة في غزة، لأن منعها لم يكن ممكناً من دون حرب شاملة متعددة الجبهات تثني العدو وتجعله عاجزاً عن القيام بما فعله، ولم يكن الأمر ممكناً في ظل الهيمنة الأميركية على المفاصل العالمية.

لذلك، اختار محور المقاومة الإيذاء والضرب المستمر لإضعاف الكيان، قدر الإمكان، ومنعه من تحقيق النصر الذي سوف يُدخل المنطقة في العصر الصهيو ـ أميركي بعدما خسرت الأخيرة جولات متكررة في العقود السابقة، بدءاً بإيران في الحرب التي فُرضت عليها، مروراً باجتياح لبنان، وصولاً إلى ما سمي بـ”الربيع العربي”، خصوصاً ما حصل في سوريا.

وكانت إحدى أهم النتائج التي حصلت في العام المنصرم، هي تقزيم الكيان الصهيوني استراتيجياً، من خلال تنزيل رتبته الإقليمية إلى “دولة” عاجزة عن حسم معركة ضد تنظيمات محدودة التسليح ومحاصرة في بقعة جغرافية صغيرة.

الهدف الثاني الذي كان في أذهان قادة “الإسناد”، هو سدّ الطريق أمام محاولات الاستغلال التي بدأت إرهاصاتها، وكانت ستؤدي إلى فتن متنقلة داخل البلدان الإسلامية والعربية، فيما لم تُقْدِم حركات المقاومة المنضوية تحت راية محور المقاومة على الإقدام على مساندة الجبهة المشتعلة في غزة. وهذا ما شهدناه من تحركات مشبوهة لفصائل تكفيرية في سوريا، ومن ثم الهجمة الإعلامية الكبيرة التي استهدفت هوية المقاومة، خصوصاً في لبنان، والتي كان من الممكن اعتبار وجودها عبثياً إذا لم تبادر إلى فتح جبهة الإسناد سريعاً.

النقطة الثالثة والمهمة في هذا الإطار هي فهم السياق العام للمعركة، وعدم الانزلاق نحو الفخ الأميركي في إشعال المنطقة، الأمر الذي جعل المقاومة تحجم عن القيام بعمليات تجر العدو نحو الحرب التي يريدها الأميركي بالدرجة الأولى، ولذلك شهدنا تحملاً كبيراً لحجم الخسائر والاغتيالات حتى اللحظة التي لم يعد ممكناً إلا الدخول في الحرب.

وإذا كانت هناك وجهة نظر تقول إنه لو تمت المبادرة باكراً لما حصلت كل هذه الخسائر، إلا أن الوقائع المتكشّفة تشي بعكس ذلك. فالمقاومة في لبنان، ومن خلال صبرها على الأذى خلال العام المنصرم، رممت الكثير من نقاط الضعف التي ظهرت في مناورات حربية محدودة، فضلاً عن شرائها الوقت لسنة كاملة قبل وقوع الواقعة، وإلا لكنّا شهدنا ما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين، منذ عام، وفي حالة صدمة كاملة كانت لتشل المقاومة بالكامل. لكن الاجراءات التي اعتمدتها المقاومة خلال سنة، وإن أدت في نهاية المطاف إلى استشهاد الصف القيادي الأساسي بغالبيته وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله، إلا أن عدم علمه بما يعلمه العدو كان سيتلازم مع عدم الجاهزية وعدم القدرة على الاستبدال فيما لو حصلت المعركة قبل عام.

لكن إدارة المعركة بالطريقة التي أدارها الشهيد السيد حسن نصر الله كشفت الكثير من الأهداف وحدّدت التموضعات بدقة تمهيداً للتعامل معها في المستقبل.

امتنع محور المقاومة خلال العام المنصرم من الدخول المباشر في الحرب مع الكيان الصهيوني، لاقتناعه أن هذا ما يريده العدو، وبالتالي هذه الحرب ما هي إلا جزء من مشروع كبير يعمل عليه الأميركي لأهداف تتعلق به هو بالدرجة الأولى. وعليه، عمل على إبعاد شبح الحرب قدر الإمكان من أجل عدم إعطاء العدو القدرة على المضي في خطته المتوحشة.

أدرك الأميركي، منذ بدايات “طوفان الأقصى” وما جرى بعدها من ضغط كبير مارسته جبهة غزة عبر صمودها وجبهات الإسناد من خلال ما فعلته بالكيان، أن هذا الكيان لم يعد يستطيع البقاء وتنفيذ المهام المطلوبة منه، خصوصاً بعد هجرة النخب والأكاديميين وأصحاب الأموال ومزدوجي الجنسيات من الكيان.

ولما كان الأميركيون ينوون العودة إلى المنطقة من جديد بعد الضربات التي تلقوها خلال العقود المنصرمة، فقد بات لزاماً على هذا الكيان تسديد فاتورة الدعم المقدم له أميركياً طيلة كل الفترات السابقة.

لدى أميركا ثلاثة تحديات كبيرة على الساحة الدولية، تحاول هذه التحديات إنهاء عصر الآحادية والتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب.

والتحديات الثلاثة هذه هي روسيا وإيران والصين.

روسيا شغلتها أميركا بالحرب الأوكرانية، وشغلت معها القارة العجوز التي تحاول جاهدة الخروج من الهيمنة الأميركية لكن من دون جدوى.

والصين ستواجه، عاجلاً أم آجلاً، اليابان وكوريا الجنوبية، وقد تشارك أيضاً الهند ودول أخرى في هذه المواجهة.

أما إيران، فإن الأداء الأميركي، طوال الأشهر الماضية، وخصوصاً بعد اغتيال الشهيد اسماعيل هنية، يؤكد على رغبته الشديدة في اشتعال الحرب بين إيران “إسرائيل”، وأن كل تصريحاتهم القائلة بخوفهم من توسع الحرب ما هي إلا أكذوبة يحاولون من خلالها تثبيت دورهم “الوسطي”، كما يفعلون في الحرب الروسية الأوكرانية بالتحديد.

لكن السؤال هو ماذا تستفيد الولايات المتحدة من هذه الحرب التي قد تؤدي إلى خراب المنطقة، وتدمير البنى التحتية للطاقة العالمية؟

بالنظر إلى المسألة من زاوية اقتناع أميركا بعدم قدرة الكيان على الاستمرار طويلاً، ستكون الولايات المتحدة مستعدة للتضحية به من أجلها هي، ومن أجل ضمان استمرار أحاديتها في قيادة العالم. ومن هذا المنطلق، فإن الولايات المتحدة تدعم الكيان في حروبها الحالية، وتمنحه الغطاء الكامل لكل جرائمه. فإذا انتصر وتمدد نحو “إسرائيل الكبرى”، كما يحلم، فإنها ستكون المستفيد الأول من هذا الانتصار. وإذا هُزم الكيان، فإن هزيمته لن تكون إلا بخراب الشرق الأوسط، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستستلم المنطقة كما تسلمت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وستبدأ بـ”مشروع مارشال” جديد يعيدها إلى المنطقة، ويعيد لها المنطقة تحت وصايتها الكاملة والمباشرة.

وإذا ما اعتمدنا هذه النظرية، فإن “شيفرة” أداء قيادة المحور سوف تتفكك، ويمكن أن نفهم لماذا لم يقم “حزب الله” بدخول الحرب الواسعة منذ البداية، ولماذا تتموضع إيران بالشكل الذي نشاهده من دون فتح جبهة كاملة على الكيان الصهيوني. فالجمهورية الإسلامية تتموضع وفق هذه الرؤية، وهي ترى أن صراعها الأساسي مع الولايات المتحدة، ويجب أن لا تنجر نحو هدر إمكاناتها في حرب مع الكيان، فتستثمر أميركا نتائج هذه الحرب. وطالما أن حركات المقاومة في المنطقة قادرة على صد العدوان والصمود بوجهه رغم كل الجراحات، فيجب عليها التريث من أجل المنازلة الكبرى مع الولايات المتحدة. وهذا ما تمت قراءته من خطبة الجمعة التي ألقاها المرشد الأعلى في إيران حيث قال في جزء منها “إننا لا نتلكأ ولا نتسرع”.