| سوسن صفا |
كنت قد اعتقدت أنني بعد استشهاد السيد حسن نصر الله
لن أتألّم على أي فراق لاحق، فالسيد اختصر وجع كل الشهداء السابقين واللاحقين.
لم أتوقع أن يكون بوسعنا أن نحزن مرات كثيرة وجديدة.. وبلوعة فراق ملتهبة.
لم يفاجئني خبر استشهاد الحاج محمد عفيف، فمنذ اللحظة الأولى لما بعد اغتيال السيد الشهيد، ومنذ أن بعث لنا الحاج محمد رسالة القوة والصمود تحت عنوان “مادة ليست للنشر”، تيقّنت حجم المأساة التي ألمّت بنا، وحجم التحدي الذي أُلقي على كاهل كل من يؤمن بأن المقاومة خيار الشرفاء وامتحان التصدي والصبر.
قرّر الحاج محمد، ومنذ زمن طويل، مواصلة الطريق، وهو لم يتعب يوماً، حتى عندما أُصيب بعارض صحي أجبره على الإبتعاد قليلاً.
واصل مهامه بكل ثبات، و”قرّر” أن يكون شهيداً “على طريقته”…
واجه الحاج محمد، بعد اغتيال السيد نصر الله، مرحلة الحرب، ببطولة قلّ نظيرها في مستنقع غلبت عليه المياه الآسنة، رفع راية الكلمة عالياً جداً، وقرّر الوقوف في دائرة الضوء.
لم يتّخذ أياً من الإجراءات التي يفرضها هذا النوع من المراحل.
بكل ثبات وقوة وإيمان، وقف على ركام الأمكنة، وملأ الفراغات.. صدح صوته عالياً، وقال للعدو “لا تخيفنا طائراتك ومسيّراتك، وقتلك الجبان الذي لا ينتهي”.
وجّه الرسائل في كل الإتجاهات، وانتفض على كل المستعجلين والمراهنين بكلمة “بكّير” التي كرّرها، علّه يُلامس بعضاً من ضمير غاب ووطنية منقوصة.. أفْهَمَ الجميع أن المقاومة أمّة، والأمّة لا يمكن أن تموت!
لم يكن الحاج محمد مقاتلاً في الميدان. لكنه قاتل بسلاح الكلمة، وبقي واقفاً في جبهة الإعلام الرافض للخضوع.
لم يختبئ.. قال كلمته ومضى إلى حيث اختار أن يكون بجوار الأحبة، وفي قلب الشهادة.
في حياتنا نسعى إلى موتَنا من خلال مواقفنا.. والحاج محمد قرر أن يكون شهيداً، وأن يعلّمنا ماذا يعني أن نكون إعلاميين مقاومين. فالكلمة سلاح، والموقف بطولة في زمن الخيانة والتضليل..
ستبقى معنا في “صبحيات “الفول” وعند كل محطة فاصلة وحاسمة.
وسنبقى نتعلّم معنى الثبات منك، وكيف نواجه عدواً شرساً بوقفة عز وكبرياء.. ورسالة لا يمكن أن تشوهها كلمة حقد وسواد.
نبكي؟ نعم..
نتألم؟ نعم..
ولكن لا ننكسر، وندفع ثمن خياراتنا شهادة لا تليق إلا بالكبار.
حاج محمد.. سنفتقدك، ونفتقد اللقاءات وجمع الأحبة، وسنفتقد عقلاً راجحاً وقلباً كبيراً ورجلاً صلباً…
لروحك السلام…