| فؤاد بزي |
إثر اندلاع الحرب، أغرقت المساعدات القادمة من الخارج، السوق. فقد وصل إلى لبنان 106 دفعات من المساعدات منذ 25 أيلول الماضي، بحسب تقارير لجنة الطوارئ الحكومية، سواء عبر الطائرات أو البواخر. واحتوت على آلاف الأطنان من المواد الغذائية، فضلاً عن المساعدات الأساسية المخصّصة للأطفال مثل الحليب والمكملات الغذائية، أو مجموعات العناية الشخصية المخصّصة للنساء، أو سواها. كما وزّع حتى مطلع الأسبوع الجاري لنحو 331 ألف مستفيد 6 ملايين وجبة غذائية، و336 ألف ربطة خبز، و218 ألف حصة غذائية.
لكن، فوائد قوم، عند قوم مصائب. فهذا الإغراق أدّى إلى انخفاض مبيعات مصنّعي وتجار المواد الغذائية في لبنان. وهو ما دفعهم إلى رفع الصوت، أقلّه لدى المنظمات الدولية المعنية بتوزيع المساعدات الغذائية، وخاصةً منظمة برنامج الغذاء العالمي، مطالبين بحصّة، أو أقلّه اعتبارهم من الجهات المصنّعة للمواد الغذائية في لبنان، وشراء هذه السلع منهم، لا استيرادها مباشرةً من الخارج. بمعنى آخر، يطالبون بزيادة المساعدات النقدية، والتخفيف من العينيّة.
وحتى منتصف تشرين الثاني الجاري، تمكّن برنامج الغذاء العالمي من تقديم مساعدات، إما على شكل وجبات طعام، أو مبالغ نقدية مخصصة لشراء مواد غذائية لـ 488 ألف شخص من المتضررين جرّاء الأعمال العدوانية للعدو الصهيوني. ووفقاً لتقرير البرنامج الأخير، وصلت قيمة المساعدات المادية الموزعة في الفترة اللاحقة لاندلاع الحرب، أي بعد 23 أيلول الماضي، إلى 7 ملايين دولار، فضلاً عن توزيع 3.4 ملايين وجبة غذائية، و993 طناً من السلال الغذائية المخصصة لاستهلاك العائلات.
وفي لبنان، لا يقتصر عمل برنامج الغذاء العالمي على الاستجابة لحالات الطوارئ فقط، مثل العدوان الصهيوني الحالي. فهناك عدد من البرامج التي تشارك فيها هذه المنظمة، إما إلى جانب الدولة كبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً الذي يساعد 793 ألف شخص، وفقاً لما جاء في تقرير البرنامج الأخير. أو بالتعاون مع منظمات غير حكومية أخرى بغية مساعدة حوالي 760 ألف شخص من المقيمين في لبنان من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين بالمواد الغذائية والأموال. وحصل هؤلاء خلال تشرين الأول الماضي على مساعدات نقدية قيمتها 10 ملايين دولار، فضلاً عن توزيع قرابة ألف طن من السلال الغذائية.
وبحساب بسيط، يتبيّن أنّ البرنامج أنفق في لبنان منذ بداية الحرب الصهيونية نحو 17 مليون دولار على شكل مساعدات نقدية مباشرة. وأدخل إلى لبنان نحو ألفَي طن من المواد الغذائية. وهذه الكتلة من المواد الغذائية تضيع من أمام التجار اللبنانيين، وتفوّت عليهم أرباحاً كبيرة. «كلّها مستوردة»، يقول التجار.
ويضيفون: «هي عبارة عن سلع بعضها يمكن تأمينه بسهولة من المصانع المحلية مثل رب البندورة، الباستا، والزيت النباتي». لذا، وفي محاولة لإقناع المنظمة بالشراء من السوق المحلية، اجتمع في وقت سابق من الشهر الجاري عدد من تجار المواد الغذائية اللبنانيين مع مسؤولين في برنامج الغذاء العالمي. وطالبوا بـ«توسيع برنامج الدعم بالمبالغ النقدية، والتخفيف من استيراد المواد الغذائية الموجودة محلياً من الخارج، وتلزيم مطاعم ومطابخ لبنانية لتأمين الوجبات الساخنة».
لا تقف مشكلة تجار المواد الغذائية على طريقة عمل منظمة برنامج الغذاء العالمي، بل تتعدّاها لتصل إلى تسجيل ملاحظات على المساعدات التي تصل إلى لبنان اليوم. منذ نهاية أيلول الماضي، «دفق المواد الغذائية التي تصل إلى لبنان على شكل مساعدات مجانية لم يتوقف»، بحسب صاحب أحد مستودعات الجملة للأطعمة. وأدّت هذه المساعدات إلى «إحجام عدد غير قليل من الزبائن عن الشراء».
ووفقاً للتاجر، «تحتوي سلال المساعدات التي توزع على كميات جيدة من الأطعمة مثل الحبوب الرئيسية، كالقمح ومشتقاته، الفاصوليا، الفول والحمص. فضلاً عن كمية لا تقلّ عن 12 علبة من التون، و6 أكياس من المعكرونة، وعدة ليترات من الزيت النباتي». ويشير إلى أنّ «هذه الكميات تكفي عائلة مكونة من 4 أفراد لحوالي شهر، ولا تحتاج معها إلى التسوق من نقاط البيع كالسوبر ماركت.
إذاً، المشكلة ليست في أصل توزيع المساعدات، وفقاً للتجار، بل في مصادر هذه المواد. برأيهم، «كلّ هذه المواد الغذائية متوفرة في السوق المحلية، ويمكنهم توفيرها للمنظمات لتوزيعها كمساعدات، بدلاً من استيرادها مباشرةً من الخارج». وفي محصلة الاجتماعات، ووفقاً لمصادر تجار الأغذية الذين اجتمعوا مع منظمة برنامج الغذاء العالمي، «سيصار إلى اعتماد عدد من الأصناف اللبنانية في سلال المساعدات، وسيعمل البرنامج على توسيع عملية الشراء من المنتجات اللبنانية».