“عقيدة الضاحية”.. في غزة!

رأت صحيفة “الغارديان” أن الإستراتيجية التي تعتمدها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تذهب أبعد من هزيمة الخصم، بل وتهدف لتدمير البنية التحتية والاقتصاد، والتسبّب بعدد كبير من الضحايا المدنيين.

وتساءلَ البرفسور بول روجرز، أستاذ دراسات السلام بجامعة برادفورد، “كيف يمكن أن نفهم الكثافة الهائلة للحرب الإسرائيلية في غزة؟”، مجيباً أن واحدةً من الطرق للفهم هي الصدمة الدائمة لهجمات تشرين الأول/أكتوبر، المترافقة مع حكومة اليمين المتطرف التي تضم عناصر متطرفة.

ولكن هذا يتجاهل عنصراً آخر، وهو النهج الإسرائيلي للحرب المعروف باسم “عقيدة الضاحية”، وهي واحدة من الأسباب التي لم تؤد لاستمرار “التوقف” القصير طويلاً.

بعد سبعة أيام من التوقف عن الغارات الجوية، عادت الحرب يوم الجمعة، وكانت الأيام الثلاثة التي تبعت ذلك حافلة بالقصف الشديد، بحيث رفعت حصيلة القتلى منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 15.899 قتيلاً، حسب وزارة الصحة في غزة، مع 41.000 جريح. ومن بين القتلى 6.500 طفل، ومئات الأطفال الرضع.

وكان الدمار المادي لغزة ضخماً بنسبة 60% من مساكن القطاع (234.000 بيت) تضررت إلى جانب 46.000 بيت دمرت بالكامل.

وربما سمحت فترة التوقف، التي استمرت لسبعة أيام، براحة من الحصار الكامل، ولكن هناك نقصاً خطيراً في الطعام والماء الصالح للشرب والمواد الطبية.

ورغم الهجوم الضخم والإمدادات التي لا حد لها من القنابل والصواريخ والمعلومات الاستخباراتية الأميركية، لا تزال “حماس” تطلق الصواريخ، وأكثر من هذا، لا تزال تحتفظ بقوتها شبه العسكرية بـ18 فرقة عسكرية مناطقية من 24 وحدة، بما فيها 10 في جنوب غزة. ويتزايد الدعم لـ “حماس” في الضفة الغربية، هناك، حيث قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون أعداداً من الفلسطينيين منذ بداية الحرب.

وتصرّ حكومة الاحتلال الإسرائيلي على تصعيد الحرب، رغم تحذيرات وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن، وضرورة الحد من الضحايا، وتأكيد نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس التحذير، وأن الولايات المتحدة “لن تسمح، وتحت أي ظرف، بنقل قسري للفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية، أو إعادة رسم حدود غزة”.

وهذا لا يعتبر مهماً لموقف بنيامين نتنياهو المتطرف وحكومة حربه، حيث الهدف هو تدمير “حماس”.

ولكن كيف سترتبط هذه المحاولة بطريقة إدارة إسرائيل الحرب، والتي تطورت منذ 1948، وحتى شكلها الحالي في “عقيدة الضاحية”، والتي يقال إنها خرجت من حرب عام 2006؟.

وفي تموز/ يوليو، وبمواجهة صواريخ أطلقها “حزب الله” من جنوب لبنان، خاض جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً برية وجوية. ولم ينجح أي منها، وتكبّدت القوات البرية خسائر فادحة، لكن أهمية الحرب هي طبيعة الغارات الجوية.

فقد تم توجيهها على مراكز قوة “حزب الله” في “الضاحية” الجنوبية” للعاصمة بيروت، وكذلك القوة الاقتصادية للبنان.

وكان هذا تطبيقاً مقصوداً لـ”القوة غير المتناسبة”، مثل تدمير كامل القرى التي نظر إليها كمراكز انطلاق الصواريخ.

ويمكن تقديم وصف عضوي لهذه السياسة حيث قتل ألف مدني لبناني، ثلثهم من الأطفال، وتمت تسوية مدن وقرى بكاملها في التراب، وتم شلّ أو تدمير جسور ومحطات لمعالجة المياه الصحية ومنشآت في الميناء ومحطات توليد الكهرباء.

وبعد عامين على الحرب، نشر “معهد دراسات الأمن القومي” في تل أبيب بجامعة تل أبيب دراسة بعنوان: “القوة غير المتناسبة: المفهوم الإسرائيلي للرد في ضوء الحرب اللبنانية الثانية”، وكتبها العقيد احتياط غابي سيبوني، ودعت إلى “عقيدة الضاحية”، كوسيلة للرد على هجمات الجماعات شبه العسكرية.

كما أن قائد قوات الاحتلال الإسرائيلية في لبنان أثناء الحرب، والذي تابع تطبيق العقيدة، الجنرال غادي إزينكوت، أصبح رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، وتقاعد عام 2019، ولكن نتيناهو استعان به كمستشار لحكومة الحرب في تشرين الأول/أكتوبر.

وكانت دراسة سيبوني واضحة؛ حيث تذهب “عقيدة الضاحية” أبعد من هزيمة الخصم في نزاع قصير وترك أثر بعيد المدى عليه.

فالقوة غير المتناسبة تعني توسيع الدمار للاقتصاد وبنى الدولة التحتية مع عدد كبير من الضحايا بهدف تحقيق ردع دائم.

وقد استخدمت العقيدة في غزة أثناء حرب 2008، وخاصة في حرب 2014.

وفي هاتين الحربين قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 5.000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وبخسارة 350 جندياً، وحوالي 30 مدنياً.

وفي حرب 2014، تم إعطاب المحطة الرئيسية للكهرباء في هجوم للجيش الإسرائيلي، وتأثر نصف سكان غزة (1.8 مليون نسمة) بسبب ذلك.

وغمرت مياه المجاري الشوارع بسبب تعطل الكهرباء.

وبعد حرب 2008- 2009 نشرت الأمم المتحدة ورقة تقصي حقائق قالت فيها إن الإستراتيجية الإسرائيلية كانت تهدف لـ “معاقبة وإهانة وترويع السكان المدنيين”.

وأصبح الوضع اليوم بعد شهرين أسوأ، وهناك حملة برية جارية ولن تتوقف وستتفاقم مع عشرات الآلاف من الغزيين الباحثين بيأس عن مكان آمن.

ولن تستطيع قوات الاحتلال الإسرائيلي تحقيق هدفها المباشر إلا بعد عدة أشهر، وهو تدمير “حماس”، من خلال التحكم بالفلسطينيين في مكان صغير بالجنوب، حيث يمكن التحكم بهم بسهولة.

أما الهدف بعيد المدى فهو التأكيد أن “إسرائيل” لن ترضى بمعارضة لها، وستواصل قواتها استخدام القوة الكافية للسيطرة على التمرد، وبقوة نووية كبيرة لن تسمح من خلالها لأي قوة إقليمية تهديدها.

وستفشل، وستظهر “حماس” إما بشكل آخر أو أقوى، إلا في حالة العثور على طريقة مختلفة لجلب المجتمعات معاً، وفي الوقت الحالي، فإن الدولة الوحيدة التي يمكنها فرض وقف إطلاق النار هي الولايات المتحدة، ولا إشارة على ذلك، على الأقل في الوقت الحالي.