| زينب سلهب |
قدّمت أوروبا “رشوة” علنية إلى لبنان، لتهدئة الانفعال اللبناني في التعامل مع ملف النزوح السوري، وبالتالي، خشية من أن تبدأ قوافل النازحين السوريين بالرسو على شواطئ أوروبا.
وبدا واضحاً أن أوروبا تتعامل مع ملف النزوح السوري من باب مصالحها السياسية والديموغرافية. فهي ترفض إعادة النازحين إلى سوريا، إلا بعد تسوية شاملة في الملف السوري، تتضمن إطاراً سياسياً جديداً للنظام في سوريا، وهي بذلك تستخدم النازحين كورقة ابتزاز، ولكن على حساب الدول المضيفة، وخصوصاً لبنان. كما أن أوروبا ترفض استقبال أعداد جديدة من النازحين خوفاً من تأثير ذلك على التركيبة الديموغرافية للدول الأوروبية.
وعليه، فإن أوروبا تريد إبقاء النازحين حيث هم، في لبنان وباقي الدول المضيفة، وقد سارعت إلى تقديم “رشوة” على شكل “هبة” و”مساعدة” للبنان، لكي يمنع قوافل النازحين من مغادرة لبنان نحو أوروبا، ولإبقائهم على الأراضي اللبنانية، بغض النظر عن الأعباء الكبيرة التي يتحمّلها لبنان.
وقد أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عقب المحادثات مع رئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليدس، ورئيسة المفوضية الأوروبية ارسولا فون دير لاين عن عقد اجتماع مثمر عرضوا في خلاله العلاقات الثنائية بين لبنان ودول الاتحادارسولا فون دير لاين الأوروبي لا سيما قبرص، والأوضاع في المنطقة والوضع المأساوي في غزة والاعتداءات الإسرائيلية.
وجدد ميقاتي في مؤتمر صحافي مع الرئيسين دعوته الاتحاد الأوروبي والعالم الى الضغط على “إسرائيل” لوقف عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني، والعمل على إرساء حل نهائي شامل وعادل للقضية الفلسطينية، مكرراً دعوته المجتمع الدولي للضغط على “إسرائيل” لوقف عدوانها المتمادي على جنوب لبنان.
وأوضح ميقاتي أنه تم تخصيص القسم الأكبر من الاجتماع لبحث ملف النازحين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية والتعاون بين لبنان وقبرص ودول الاتحاد الأوروبي، لمعالجة هذا الملف وتداعياته المباشرة وغير المباشرة.
وفي هذا الاطار عبرّ ميقاتي أولا عن تقديره “لتفهّم بعض دول الاتحاد الأوروبي في اجتماعه الأخير لطلب الحكومة اللبنانية، إعادة النظر في سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بإدارة ازمة النازحين السوريين في لبنان. وهذا الموقف يترجم بزيارة فخامة الرئيس والسيدة رئيسة المفوضية الأوروبية”.
وقال: “إن لبنان تحمّل، منذ اندلاع المعارك في سوريا عام 2011، العبء الأكبر بين دول المنطقة والعالم في موضوع استضافة النازحين، مع ما شكله هذا الملف من ضغط كبير على الشعب اللبناني برمته وعلى كل القطاعات اللبنانية. وكنا حريصين دوما على التعاون مع مختلف الهيئات والمنظمات الأوروبية والدولية في هذا الملف، الا ان الواقع الحالي لهذا الموضوع بات اكبر من قدرة لبنان على التحمّل، خصوصا وأن عدد النازحين بات يناهز ثلث عدد اللبنانيين، مع ما يترتب على ذلك من أعباء وتحديات تضاعف من أزمة لبنان الاقتصادية والمالية وتهالك بناه التحتية . والأخطر من ذلك تصاعد النفور بين النازحين السوريين، وبينهم وبين بعض المجتمع اللبناني المضيف نتيجة الاحداث والجرائم التي ارتفعت وتيرتها وباتت تهدد أمن لبنان واللبنانيين واستقرار الأوضاع فيه”.
وتابع: “لا يفوتني في هذا اللقاء أن اذكّر بما طرحته في كل الاجتماعات واللقاءات الدولية التي اعقدها ، ولا سيما مع الاتحاد الأوروبي، حيث كنت أحذر من ان كرة النار المرتبطة بملف النازحين لن تنحصر تداعياتها في لبنان بل ستمتد الى اوروبا لتتحول الى أزمة إقليمية ودولية. ونحن على قناعة ثابتة بأن أمن لبنان من أمن دول أوروبا والعكس ، وان تعاوننا الجدي والبنّاء لحل هذا الملف يشكل المدخل الحقيقي لاستقرار الأوضاع ، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحترام المتبادل والتعاون المثمر والوعي الأوروبي والدولي للحفاظ على الخصوصية اللبنانية التي تشكل قيمة معنوية للشرق والغرب”.
وأكد ميقاتي رفضه ان “يتحوّل لبنان الى وطن بديل”، مضيفاً: “ندعو اصدقاءنا في الاتحاد الأوروبي الى الحفاظ على قيمة لبنان والمضي في حل هذا الملف جذريا وبأسرع وقت، انطلاقا من المعرفة المتبادلة بيننا وبين الاتحاد الأوروبي ودول العالم بأن مدخل الحل سياسي بامتياز”.
واعتبر أنه “انطلاقا من واقع سوريا حاليا، ان المطلوب كمرحلة أولى الإقرار أوروبيا ودوليا بأن اغلب المناطق السورية بات آمنة ما يسهل عملية إعادة النازحين، وفي مرحلة أولى الذي دخلوا لبنان بعد العام 2016 ومعظمهم نزح الى لبنان لأسباب اقتصادية بحتة ولا تنطبق عليهم صفة النزوح”.
في هذه المناسبة جدد ميقاتي مطالبة الاتحاد الأوروبي، لـ”دعم النازحين في بلادهم لتشجيعهم على العودة الطوعية ما يضمن لهم عيشا كريما في وطنهم . واذا كنا نشدد على هذه المسالة فمن منطلق تحذيرنا من تحوّل لبنان بلد عبور من سوريا الى أوروبا، وما الإشكالات التي تحصل على الحدود القبرصية الا عينة مما قد يحصل اذا لم تعالج هذه المسالة بشكل جذري”.
وأكد أن لبنان يقدّر للاتحاد الأوروبي موقفه الجديد بدعم المؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان لتمكينها من ضبط الحدود البحرية والبرية والقيام بواجباتها في منع الهجرة غير الشرعية من لبنان واليه، ودعم المجتمعات اللبنانية ذات الحاجة، وفي الوقت ذاته تخصيص جزء من الدعم لتحفيز العودة الطوعية للنازحين السوريين”.
بدورها، أعلنت رئيسة المفوضية الأوربية عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو للبنان، بدءا من هذا العام وحتى 2027، وأن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم لبنان.
وأضافت أن الاتحاد سيواصل دعم الجيش اللبناني بالمعدات، مؤكدة أنهم يدركون حجم التحديات التي يواجهها لبنان باستضافته للنازحين.
كما شددت على أنهم عززوا مساعداتهم الإنسانية لغزة، مضيفة: نتطلع لحل الدولتين الذي يعد الحل الأمثل للوضع في الشرق الأوسط.
ومن جانبه، أكد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس أن بلاده تعمل على معالجة التحديات المشتركة بشكل أفضل، ولقبرص فهم عميق للمشاكل التي يعاني منها لبنان.
وقال خلال المؤتمر الصحفي: “نحن نقوم اليوم بخطوة مهمة من أجل شعب لبنان كي نعالج بشكل أفضل التحديات المشتركة”.
وأضاف: “علينا تعزيز العمل مع شركائنا لبحث مسألة العودة الطوعية للسوريين من لبنان”.
* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها *