ما هي المصلحة من حـ.ـربٍ دائمّة مع “إسرائيل”؟

| علي فضّة |

سأخصص هذا المقال لمناقشّة “عيّنة”، على سبيل المثل لا الحصر، للدلالة على بعض التدليس وتعريته، والاستسلام وتبعاته، والتضليل ومخاطره، كما القبول بالأمر الواقع ولو كان شاذًّاً باعتباره مُنزَل، والمسّ به مغامرة غير محسوبة و”تكفير سياسي” أحيانًا!

أيضًا التفريق بين موضوع القناعات والآراء المتباينة التي من الممكن أن تكون محط نقاش واحترام للاختلاف، وبين ثوابت رؤيويّة، متنها قاعدي علمي وشواهدها موجودّة وآليتها معروفّة، كما أنها مفاهيم بديهية. هنا الحضيض ينزلك لدركه، باعتبارك “تُناقِش مُسلمَات”.

هل يعقل؟

* في لبنان ـ التركيبة السياسية (من دون العودة إلى ما قبل الاستقلال) من بعد نيل الاستقلال عن انتداب فرنسي، بدأت تتشكّل جبهة يمينية. اليمين كاصطلاح فكري موجود كما اليسار وما بينهما، ممكن أن يصح التنافس السياسي بين مفهومين مختلفين في بلد كبلجيكا مثلًا. تقع بلجيكا في غرب أوروبا، تحدها كل من ألمانيا واللوكسمبورغ من الشرق، فرنسا من الجنوب والجنوب الغربي، بحر الشمال من الشمال الغربي وهولندا من الشمال أيضاً.

هنا نقول إن لا خطر وجودي على بلجيكا، فليست على معاداة جوهرية مع جوارها. أما لبنان ـ فيحدّه جنوبًا الكيان المحتل لفلسطين (إسرائيل)، وغربًا البحر الأبيض المتوسط، وأغلب حدوده الشرقية والشمالية مع سورية. بالتالي، هناك دولة تُشكّل وديعة غربية “كولونيالية” تحتل أرضًا ليست لها، بمفهوم إحلالي استيطاني. فلسطين أرض عربية محتلّة، وبمفهومنا هي حدودنا الجنوبية، لأننا لا نعترف بالكيان المحتل كواقع حتمي لا مفرّ منه. وبالمناسبة هو أيضًا لا يعترف بنا أو بغيرنا…

بالعودّة إلى اليمين الذي تطوّر انعزاليًا واضعًا كل عنبه بسلة الغرب، ويطرح مشاريع، عبارة عن خروج عن البديهيات بعملية “تآمر على المفاهيم والقواعد السياسية” وممارسة ديماغوجيّة على قواعده الشعبيّة قبل غيرها، بغلاف “الوطنية” و”السيادة” و”العيش الكريم” و”لبنان أولًا”، إلخ… هذا غير طرح “الحيّاد” الضارب لقواعد جيوسياسية عرض الحائط، كمن يقول مثلًا إن لا جاذبية وإن التفاحة لم تسقط على رأس “نيوتن”.

ترف هذه الطروحات ممكن أن يكون بدولة غير لبنان، أو حتى غير شرق أوسطية. لكن منطقتنا تعج بقوى الاستعمار، كما أن هناك كياناً مُحتلاً يعرِّف عن نفسه من دون حدود نهائية! وأطماعه معلنة من دون حياء.

وساسته يعلنون صراحة نواياهم التوسعية منذ النشأة، كتابة كان أم تصريحًا. فمثلًا كتاب “قطع رؤوس الهيدرا” الصادر عن “معهد دراسات الأمن القومي” بجامعة تل أبيب عام 2007، للخبير الاستراتيجي داني بركوفيتش، أو كتاب “أحجار على رقعة الشطرنج” ‏للكاتب الكندي وليام جاي كار الذي صدر عام 1955.

كتابان مهمان، للاطلاع عليهما كما غيرهما من الكتب (لا يكفي المقال لشرحهما ـ أو غيرهما من الكتب).

بالمناسبة “بروتكولات حكماء صهيون” كان على الكاتب إيلان بابيه إضافته على كتابه “عشر خرافات عن إسرائيل” ليصبحوا إحدى عشرة خرافة، ذلك لأنه، في قناعتي، لقيط، مجهول الأب والأم، وفاقد للمعايير الأكاديمية والمعرفية.

كل هذا الكمّ من المعلومات والأبحاث يدلّ على التالي :

إن الشرق الأوسط، أو غرب آسيا، هو محط أطماع “كولونياليّة”، كان ولم يزل بوجوه الاستعمار الناعمة أم الخشنة، وبقليل من المعرفة والاطلاع، وبعد أن نفتح الخريطة للانطلاق للعمل السياسي والوطني، كما يقول نابليون مؤكدًا على أهمية “الجغرافيا السياسية”، يتبيّن أن لا قيامة لأي دولة بمفهومها الحقيقي، تملك اقتصاداً قوياً منتجاً، ويطمح ساساتها لتأمين رغد العيش والحياة الكريمة لمواطنيها، مجاورة لفلسطين المحتلة أو بعيدة (للسيطرة على البعيد أساليب أخرى). وبما أنّ هذا الواقع الواضح موجود، فالطلب الأكثر إلحاحًا يكون بتشكيل حركات تحرّر، هدفها إزالة العوائق أمام طموح بناء الدوّل، وعلى رأس تلك العوائق “إسرائيل” والهيمنة الأميركية والغربية عن المنطقة. لذا، فإن بروز “محور المقاومّة” هو أداة شرطية للتحرّر والتحرير، إذ لا يمكن السماح لك بالتقدّم قيد أنملة على أي صعيد، بوجود المنطق الاستعماري ماديًا ومعنويًا.

هذه المقاربّة هي جوهر الانحياز للمقاومّة، وأي مقاربة أخرى هي استسلام على شاكلة سلام غير مجدي. انظروا مصر وحالها وأحوال شعبها. إضافة الى أنّه احتيال على التاريخ والجغرافيا، وعلى الشعوب الحرّة الناشدّة للتحرر وبناء الدوّل القويّة القادرة .

أتوجّه بالاعتذار الى كل من يقرأ بعمق سياسي، لأني ناقشت وشرحت مسلمّات وبديهيات سياسية، ذلك لأننا في زمن سياسي وفكري أقل ما يقال عنه أنه “تافه”.

* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها *