/ جورج علم /
العين على “حزب الله”. البوصلة عنده لتحديد المسار الرئاسي، واتجاهات الريح. يتابع الحراك الداخلي بصخبه وتفاصيله، لكنّ الهمّة واليقظة مستنفرتان عند الحراك الخارجي.
عودة بنيامين نتنياهو إلى موقع القرار في “إسرائيل” ليس تفصيلاً بسيطاً.
عودة الروح إلى مفاوضات فيينا سعياً للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، تطوّر يبنى عليه.
النتائج المتوقعة من الإنتخابات النصفيّة للكونغرس، سيكون لها انعكاسات حتميّة على السياسة الخارجيّة الأميركيّة.
تسارع تداعيات الحرب الأوكرانيّة على الأمن والغذاء العالمييّن، يشغل مراكز الأبحاث، وعواصم دول القرار.
ما يجري في العراق، وسوريا، واليمن، والأراضي الفلسطينيّة، يستدعي المتابعة للإلمام بالعناوين والتفاصيل.
الخلاصة، أن ما يجري في الداخل والمحيط يستدعي حسم الإستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن، كي لا يتحوّل الشغور إلى فراغ، والفراغ إلى فوضى عارمة، والفوضى العارمة إلى فلتان أمني على خلفيات مناطقيّة، وفئويّة، ومذهبيّة، والفلتان الأمني الى إعصار يطيح بما تبقى من جسور ودعائم للوحدة الوطنيّة.
بعض ما يجري في الداخل ليس بريئاً. هناك أجندات خارجيّة بدأت تتسرّب من شقوق التفسخات الداخلية لتأخذ البلد إلى متاهات أخرى. هناك من يحاول أن يستثمر في الفراغ، لضرب الاستقرار، مستفيداً من العناصر المؤاتية لمخططه، من حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة، إلى حوار عاطل عن العمل نعاه الرئيس نبيه بري بكلمات معبّرة، إلى توغّل خارجي مشبوه في البيئات الاجتماعيّة الأكثر فقراً، لإثارة الغرائز، وشحذ الهمم عن طريق الهبات والمساعدات الماليّة. والمال سلاح فعّال، هذه الأيام، عابر للمناطق والطوائف في ظل الجائحة الإقتصادية المعيشيّة التي تفتك بالبلاد والعباد.
وبرزت مع بداية “عهد الفراغ”، مؤشرات لايمكن تجاهلها.
ما جرى في الفاعور مؤخراً ليس بـ”إشكال طفيف” حصل، وأصبح من الماضي، بل يجب قراءته من زوايا أخرى متصلة بجغرافيّة المنطقة، ومكوناتها الإجتماعيّة، وتعددياتها الثقافيّة، وتنوعاتها السياسيّة، وخصوصياتها المناطقيّة. إن “التقصير” كان من قلّة التدبير. وقلّة التدبير أملاها فرط الإدعاء بالمعرفة، معرفة طبيعة الأرض، والسكان، والجوار، وتشابك المصالح. ما حصل كان بمثابة جرس إنذار، والمهم أن يوقظ الرؤوس الهامدة، ولا يذهب طنينه صدى التغاضي، وعدم الإكتراث.
وما يجري من حشد على جبهة الطائف، لا هو من نوع التكريم، ولا التفخيم. و”دقّ المهابيج” هنا ليس احتفاء بفخامة الاستعراض، بقدر ما هو مؤشر على الإعتراض. 33 سنة مرّت، ولم ينفّذ الطائف. طاله التخريب من كل حدب وصوب قبل ان يبلغ المضارب اللبنانية. أول المخرّبين كان التقاعس العربي، والدول العربيّة الثلاث التي أوكلت إليها مهمّة الرعاية، وكلفت رسمياً الحرص على سلامة “الوليد”، وتقديم فائق الدعم، والرعاية لحسن تنفيذه، لكن في الليلة الظلماء يفتقد البدر، فاندثرت “الترويكا”، وذهب كلّ منها بريحه، ليصبح في عهدة سوريا التي استثمرته على نطاق واسع خدمة لمآربها، وحوّلته الى مولود مسخ برؤوس ثلاثة متنافرة متطاحنة بقرون طائفيّة وفئوية حادة، ودجّنته في نطاق نظام معاق بحاجة إلى وصيّ خارجي، ومهماز غب الطلب.
ومن خرّب الطائف أيضاً، الفئويات، والمحاصصات الطائفيّة، وتغليب المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة، والدليل على العجز والتخريب كان اتفاق الدوحة في مايو / أيار 2008، الذي عالج الشغور الرئاسي، وبرّد الرؤوس الحامية بعض الشيء. ولو كان للطائف ضمانة، وعناية، وصيانة، لما كان اللبنانيّون بحاجة الى دوحة لوقف الإنهيار، وفتح الأبواب والنوافذ في حائط الإنسداد السياسي.
ومشكلة الطائف أنه جاء بقادة الميليشيات من الشارع، وفوّضهم إدارة المؤسسات الرسميّة، وبدلاً من أن يبنوا مداميك الدولة القويّة القادرة والعادلة، برعوا في بناء دويلاتهم على حساب الدولة، وكانت النتيجة فساد، وكساد، ونهب للمال العام، وانهيار في كل القطاعات، وعلى مختلف المستويات.
من خرّب الطائف؟
الجواب واضح: لا بدّ من إعادة النظر بكامل محطات هذه المسيرة التي انطلقت قبل 33 عاما، وحطّت رحالها في لبنان، على ما هو عليه الحال الآن، من دون تجاهل عوامل التدخلات الخارجيّة، وصراع المحاور الذي اتخذ من هذه الساحة المتاحة المباحة فرصة التنعم بالفوضى العارمة لفرض أولوياته، وتحقيق مصالحه.
والعودة الى الطائف اليوم، ولو في مشهديّة إحتفاليّة بمناسبة بلوغه سن الـ33 عاماً، لا يلغي المحاذير التي تنبت كالفطر على جوانب الطريق المؤدي الى الإستحقاق الرئاسي، وسط كمّ من الأسئلة المقلقة: هل نحن أمام مشروع فتنة، او صحوة ضمير؟ هل الغاية إعادة النظر بمواصفات النظام توازياً وتزامناً مع النظر بمواصفات الرئيس؟ أغلب الظن، أن لا أجوبة حاسمة ومقنعة في الوقت الحاضر. والتنبه، والترقب سمة المرحلة راهناً، خصوصا لدى بيئة “حزب الله”.
ويبقى من الدوافع التي تستدعي اليقظة، سرعة المتغيرات التي تدهم المنطقة، وتحاصر لبنان، وظهور بوادر إستثمار دوليّ ـ إقليمي في بورصة الفراغ المفتوح على الفوضى، لتجاوز إنجاز الترسيم، ووضع اليد على بحر لبنان، وغازه، ونفطه.
إن مطامع ومطامح الدول النافذة، لا تعترف بأدبيات، أو أخلاقيات. إنها أشبه بجوف خاو، لتنين نهم.
قد يكون في التشخيص بعض المبالغة، لكن في الساحة المتاحة، والحدود المباحة، والشعوب المستباحة، تبقى كل الاحتمالات واردة، وهذا ما يدفع ببعض الفئويات، إلى العمل على ملء الشغور سريعاً، حتى لا يتحوّل إلى فراغ، والفراغ إلى فوضى جارفة تأخذ في طريقها كل المحرّمات!