شتاء أوروبا.. ومعارك حرب الطاقة بلا هدنة

/ دايانا شويخ /

 استخدمت روسيا ورقة الغاز في ردّها على العقوبات الغربية، كسلاح اقتصادي في وجه القارة العجوز، عبر توقّفها التام عن ضخ الغاز. وتواجه أوروبا تحديات كبرى بشأن تأمين الغاز، بخاصة مع بدء الخريف والشتاء. وبعد إعلان روسيا وقف ضخ الغاز، ارتفعت أسعاره مباشرة في الأسواق العالمية بنسبة 30%، أي ارتفعت بنسبة 400% مقارنة مع العام الماضي. في حين نفى الرئيس الروسي أي علاقة لبلاده بأزمة الغاز، وقال عقب قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي عقدت في شهر آب/اغسطس الماضي، انه “إذا ارادت دول الاتحاد الاوروبي المزيد من الغاز، فعليها مطالبة أوكرانيا بفتح خطوط الأنابيب، ورفع العقوبات التي تمنع فتح خط أنابيب نورد ستريم 2 عبر منطقة البلطيق”. إلا أنه وبعد التسريبات التي حدثت مؤخراً في أنابيب نورد ستريم 1 و2، والتي لم يتضح بعد ما إذا كانت حدثاً عرضياً أم تخريبياً، تثير التساؤلات حول الوضع الجديد في تعامل دول الاتحاد الاوروبي مع الغاز الروسي في المستقبل القريب.

هل يمكن التحرر من الغاز الروسي؟

على أثر الازمة الروسية الأوكرانية، التي يلمس انعاكاساتها العالم بأكمله، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، تتجه الدراسات الاقتصادية اليوم حول ما إذا كانت الدول الأوروبية ستنجو من أزمة الغاز، بخاصة في ظل اعتمادها وبشكل كبير على الغاز الروسي قبل الأزمة. فما هي أبرز الاستراتيجيات التي ستتبعها دول الاتحاد للتعويض عن الغاز الروسي، ولتدفئة مواطنيها في الشتاء مع الارتفاع الجنوني لأسعاره؟

قدمت المفوضية الأوروبية استراتيجيات عدة للتحرر من الطاقة الروسية، ومنها عبر تخزين الغاز بهدف يصل إلى 80% بحلول سبتمبر/أيلول الماضي، وإلى أن يصل هدف التخزين لنسبة 90% مع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. وإضافة إلى التخزين، تسعى المفوضية إلى تنويع المورّدين، وذلك عبر الاعتماد على البحر الأبيض المتوسط، أي كل من مصر والجزائر وقبرص، إلى جانب استيراد الغاز الطبيعي المسال من ثلاثة مصادر وهي الولايات المتحدة وقطر وشمال افريقيا، بالإضافة إلى ممر الغاز الجنوبي الذي يمر عبر أذربيجان وجورجيا وتركيا واليونان وبلغاريا وألبانيا والبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا.

كما تعتمد خطة المفوضية على خفض استهلاك الطاقة ليصل إلى 15% بين اغسطس/آب ومارس/آذار 2023. وقدرت رئيسة المفوضية الاوروبية أورسولا فون دير لاين، إمكانية خفض الاستهلاك السنوي للغاز في الاتحاد الاوروبي بنحو 45 مليار متر مكعب. وتلجأ بعض الدول إلى مناجم الفحم، كألمانيا مثلاً التي من المتوقع أن تحرق ما يزيد عن 100 ألف طن من الفحم شهرياً، أما فرنسا فستعمد إلى تشغيل جميع مفاعلاتها النووية ال 56 للحد من تفاقم الأزمة. وتعد هذه الحزمة من الإجراءات، المخرج الوحيد لدول الاتحاد الاوروبي لتدارك حدة الأزمة وتخفيفها عن كاهل مواطنيها. إلا أنه لا يمكن التغافل عن الآثار الاقتصادية المترتبة عليها، كارتفاع التضخم، ودخول البلاد في حالة من الركود الاقتصادي.

الولايات المتحدة المستفيد الاكبر؟

لم تقف أوروبا على الحياد في الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ولم تلتفت إلى مصالحها الاقتصادية، بل وضعت نفسها في حلف مع الولايات المتحدة في فرض العقوبات الاقتصادية على موسكو. إلا أنها كانت المتضرر الأكبر جراء تلك العقوبات، بعد أن أمسكت روسيا ورقة الغاز في وجه دول الاتحاد الاوروبي، وجاءت واشنطن لتقديم يد العون إليها لتجاوز هذه المحنة عبر صادرات الطاقة.

تُعد الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي ومصدري الغاز السائل في العالم، وتشكل اليوم أحد “المغيثين” للقارة الاوروبية، حيث لجأ إليها الاتحاد الاوروبي كدولة بديلة لإنقاذه في تأمين الغاز. وفي النصف الأول من عام 2022، احتلت الولايات المتحدة المركز الاول كأكبر الدول المصدرة للغاز المسال الى الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة بنسبة 47% من اجمالي الواردات الاوروبية. وصدّرت الولايات المتحدة خلال شهر يونيو/حزيران من هذا العام، حوالي 57 مليار متر مكعب من الغاز المسال، مقارنة مع 34 مليار متر مكعب من صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا لعام 2021. فهل اتخذت اوروبا واشنطن بديلاً عن موسكو؟

خسرت أوروبا مورداً أساسياً للطاقة الرخيصة، بخاصة مع عدم تدشين خط أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم 2، حيث اعتبر نائب المستشار الالماني ووزير الاقتصاد روبرت هابك حينها، أنها هزيمة أمام روسيا في حال قبول التدشين. وبعد رصد تسرب غير مفسّر في خط أنابيب نورد ستريم 1 الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق ونورد ستريم 2، أعلن البيت الابيض عن استعداده لدعم الأوروبيين. إلا أن هناك علامات استفهام عدة حول خلفية الدعم الأميركي للاتحاد الأوروبي، والربح الذي ستجنيه الشركات الأميركية المصدرة للطاقة، في حين تشهد شركات الدول الاوروبية خطر الاغلاق، خصوصاً المصانع التي تعتمد على الطاقة بشكل كثيف، مثل قطاع المعادن، ويتوقع خبراء ومحللون أن تتوقف هذه الشركات عن العمل، ما يعرض آلاف الوظائف للخطر، حينها لن يكون بمقدور أوروبا أن تنافس مجدداً شركات العالم، وبخاصة الولايات المتحدة، وبهذا ستزدهر وتنتعش الأسواق الأخرى على حساب الأوروبيين.