“تهدئة”.. مقابل “تعهدات” على رمل البحر!

| غاصب المختار |

 

كان من المؤكد أن تفشل المساعي الأميركية والأوروبية، القديمة والجديدة، في وقف التصعيد الإسرائيلي، سواء في قطاع غزة أو في جنوب لبنان، طالما أن الدول الغربية مازالت تقدم الدعم السياسي والعسكري للكيان الاسرائيلي، وتقدم لأهل غزة وجنوب لبنان “القلق” من توسع دائرة العنف، وكأنّ ما يحصل هو بداية لحرب، بينما هي قائمة منذ أشهر على المجازر الجماعية والاغتيالات واصطياد المدنيين من مزارعين وساعين وراء أرزاقهم.

آخر مصادر “القلق” الأميركي برزت في كلام وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، خلال لقائه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، في واشنطن، حيث قال المتحدث باسم وزير الخارجية الأميركية ماثيو ميل: إن بلينكن “أكد التزام الولايات المتحدة الثابت بأمن إسرائيل”. وهذا الدعم الثابت لأمن كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي قابله الاكتفاء بـ”إبداء القلق” المعطوف على تهديدات وتحذيرات مبطنة للبنان، والاكتفاء بـ”إبداء الأسف” لسقوط الشهداء بالمئات في غزة، و”النصائح” الكلامية بالتخفيف من حدة العنف المجاني، يكفي ليستمر الكيان الاسرائيلي في عدوانه، بل وقد يذهب به إلى تصعيد أوسع، نتيجة عدم ممارسة الضغوط الغربية الكافية على الكيان، وعدم وقف تزويده بالأسلحة والقنابل والذخائر، على الرغم من تجميد صفقة القنابل الضخمة التدميرية المقررة لجيش الاحتلال وليس إلغاءها.

وفي السياق، يقول مصدر في لجنة الشؤون الخارجية النيابية لموقع “الجريدة” إنه “إزاء كل ما نقدمه من عرض وتفاصيل ومعلومات، بالأرقام، عمّا يرتكبه العدو الإسرائيلي في الجنوب، من تدمير بنى تحتية ومؤسسات اقتصادية وإحراق مزروعات وأحراج، فيما المقاومة تركز في ردها على البنى العسكرية في مواقع العدو، فإن ردة فعل السفراء الغربيين تتوقف عند أمر واحد هو الاستفسار عن مسار مساعي التهدئة ونتائجها، والأهم أن بعض السفراء يُلمّح تارة ويُصرّح تارة أخرى، إلى عدم إمكانية دولهم لجم جنون رئيس حكومة العدو نتنياهو، وإلى أنه قد يذهب إلى تصعيد أكبر.

وتضيف المعلومات أنه سبق وأرسلت واشنطن إلى لبنان إشارات، مباشرة وغير مباشرة، حول جدية التهديدات الإسرائيلية، لكن من دون اتخاذ إجراء ضاغط، واكتفت بالتحذير والإشارة إلى بذل الجهد الدبلوماسي بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وأن هذا الجهد ربما يكون قد لجم نتنياهو إلى حد ما، ولو مؤقتاً، بانتظار هدنة غزة، التي يراهن الجميع على أنها ستنتقل إلى جنوب لبنان، لكن ليس من المعلوم إلى متى تستمر هذه الهدنة في غزة.

وعلى هذا، ينتظر الجميع، بحسب المصادر النيابية، عودة تحرك الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، المرتبطة عملياً بما يمكن أن يتحقق في مساعي مصر وقطر لدى حركة “حماس”، والموفدين الأميركيين لدى الكيان الإسرائيلي. وقد سبق وتحدثت معلومات مصادر عين التينة عن أن هوكشتاين أبلغ الرئيس نبيه بري أنه في حال فشل مفاوضات هدنة غزة، فإنه سيبحث عن “آلية جديدة” لتطبيق القرار 1701 ووقف النار في الجنوب، على الرغم من إدراكه المسبق أن هذا أمر مستحيل إذا استمرت المجازر في غزة ولم يتوقف إطلاق النار نهائياً، علماً أن كل ما يحاول هوكشتاين تحقيقه بالنسبة للجنوب، هو طمأنة كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر اجراءات تتيح ترييح جيشه وعودة نازحيه، مقابل عودة النازحين اللبنانيين فقط و”تعهدات” اسرائيلية بوقف خرق القرار الدولي، وهي تعهدات أشبه بالكتابة على رمل البحر، سرعان ما تمحوها أول موجة.