| جورج علم |
حرّكت “التلغراف” اللندنيّة الدماء في العروق، وتحرّك المسؤولون، كلّ من موقعه، دفاعاً عن صحّة مطار رفيق الحريري الأمنيّة. تحدّثت “التلغراف” عن ترسانة أسلحة في حرم المطار، وبادر المسؤولون إلى النفي، والتأكيد على أن خلايا هذا المرفق الحيوي خالية تماما من “فيروس المجنّحات”.
خبر “التلغراف” حياكة “مخابراتيّة”. ورد بعد يوم واحد على الإتصال الذي أجراه وزير الخارجيّة البريطاني دايفيد كامرون برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبعد مرور ساعات معدودة على التهديد الذي أطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله للحكومة القبرصيّة.
أين القطبة المخفيّة؟
تستضيف قبرص قاعدة عسكريّة بريطانيّة متخصصّة بالإتصالات، وجمع المعلومات، ورصد التحركات، وهي تمدّ لندن بتقارير حسّاسة، عالية الدّقة بالمحتويات، وعمق التحليلات. ومن هذا المخبز، وصل رغيف ساخن إلى مكتب كاميرون، دفعه للإتصال بميقاتي.
يشارك الطيران الحربي البريطاني في قصف القواعد “الحوثيّة” في اليمن جنباً إلى جنب مع الطيران الأميركي، ردّاً على إستهداف السفن التجارية، وناقلات النفط في البحر الحمر.
الدوافع المعلنة، إقتصاديّة بإمتياز، وتحالفيّة.
تعتبر قناة السويس، وباب المندب، ومضيق هرمز، من الشراييّن المائيّة الإستراتيجيّة التي تسهّل مهام الأساطيل البريطانيّة المنتشرة حول العالم. المسألة هنا تجارة، وربح وخسارة، وتداعيات ماليّة وإقتصاديّة خطيرة على السلّة الغذائيّة الأوروبيّة والعالميّة، مع إرتفاع تكلفة النقل، وزيادة بوالص التأمين على البواخر والناقلات المائيّة، ما يؤدي إلى إرتفاع أسعار السلع الحيويّة، وإختلال السياسات الإقتصاديّة القائمة على ثوابت كانت مضمونة، قبل أن يطيح بها “طوفان الأقصى”، وتردداته، ويحوّلها رهينة الفوضى العارمة.
ويعتبر الإنخراط في القتال خلاصة قرار إتخذته الحكومة البريطانيّة. لها مصلحة، ولها قائمة أولويات في المنطقة تسعى إلى تحقيقها وفق أسلوب يعتمد على القوّة، وعرض العضلات.
بريطانيا ليست محايدة في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. إنها فريق، وطرف إلى جانب الولايات المتحدة. إنها فريق وطرف في الصراع الدائر في الخليج، إنطلاقاً من باب المندب، إلى البحر الأحمر. إنها فريق وطرف في قصف معاقل “الحوثيّين” في اليمن. ومن الطبيعي أن تكون قاعدتها العسكريّة في قبرص فريقاً وطرفاً في الصراع القائم ما بين “محور الممانعة”، و”إسرائيل”.
وبناء على ما تقدم، يصبح من الطبيعي أن تواكب التطورات المتسارعة في المنطقة، عن طريق تفعيل دوائر إستخباراتها، وتكثيف نشاطات طواقمها، وتحفيز قنواتها السريّة، لإكتشاف العواصف قبل هبوبها. إنها الرائدة في صناعة “أبراج المراقبة”، وهي تعتلي في جزيرة قبرص أعلى برج في الشرق الأوسط، تراقب من خلاله مسار التطورات والمستجدات.
ولا يعود الحديث هنا، يقتصر على ما يريده بنيامين نتنياهو في غزّة، وفي جنوب لبنان، بل على ما يريده التحالف الأميركي ـ البريطاني، والأهداف المرسومة على خريطة الطريق المعتمدة من قبلهما لتحقيق مصالحهما المشتركة.
كانت بريطانيا الشريك المشارك، إلى جانب الولايات المتحدة، في التصدّي للمسيّرات الإيرانيّة التي استهدفت كيان العدو الإسرائيلي في نيسان الماضي، وقد صدر يومها، بيان رسمي عن الحكومة، يؤكد إنخراطها في الدفاع عن أمن “إسرائيل”.
وكانت الشريك المشارك إلى جانب الأساطيل الأميركيّة التي غزت البحر الأحمر، وبحر العرب، والبحر الأبيض المتوسط، بعد السابع من تشرين الأول الماضي، تحت شعار “منع توسيع دائرة الحرب”. وكانت الشريك المشارك في دعم خطة الرئيس جو بايدن حول وقف النار في غزّة. وتلعب حالياً دور الشريك المشارك للولايات المتحدة حول الخطة (ب) المتصلة بدور إيران راهناً، ومستقبلاً، في البحار الثلاثة: المتوسط، وبحر العرب، والبحر الأحمر.
يزداد منسوب القلق البريطاني، مع إزدياد منسوب المعلومات التي تتحدث عن وضع أقسام من الضفة الشرقية للمتوسط تحت هيمنة “محور الممانعة” بقيادة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وبأن مطامح طهران لا تقتصر على نفوذ في الخليج، إنطلاقاً من باب المندب، بل على بحر العرب، والمتوسط، وهذا ما يشكّل “تهديداً للملاحة العالميّة”، وللنفوذ التجاري البريطاني على البحار الثلاثة.
وفي عودة إلى “التلغراف”، يبدو أن تقريرها عن مطار رفيق الحريري، مجرّد رسالة تحذيريّة إلى “محور الممانعة” حول وجود الخطة (ب)، حتى إذا ما فشلت مبادرة بايدن تجاه غزّة، وإعتراها الوهن نتيجة الشروط والشروط المضادة، المتبادلة، أصبحت حظوظ الخطة (ب) مرتفعة جدّا، المتصلة ب”جبهة البحار الثلاثة”، إنطلاقاً من المتوسط، ودائماً تحت شعار “تحرير خط التجارة العالميّة من نفوذ الميليشيات” المنتسبة لـ”محور الممانعة”؟
ماذا دار بين ميقاتي وكاميرون حول التهديدات الإسرائيليّة؟ يبقى الجواب ملكهما، لكن خارج “المجالس بالأمانات”. البريطانيون يرسمون لوحة “البحار الثلاثة” بريشة أميركيّة، أو منسّقة مع واشنطن بإسم التحالف المقدّس، وليس من المستبعد حصار بحري يطال لبنان، ويترافق مع موجة التصعيد الجديدة، وفقاً للخطة (ب)، إذا ما فشلت خطة بايدن حول غزّة، ومواصفات اليوم التالي في القطاع، وجنوب لبنان، وصولاً إلى اليمن!
لقد غادرت حاملة الطائرات “آيزنهاور” مياه البحر الأحمر متجهة.. لكن إلى أي مياه؟