/ علاء حسن /
لا يختلف اثنان على أن المنطقة تقف على فوهة بركان يمكن أن ينفجر في أي لحظة ما لم يتم احتواؤه، كما لا يختلف أحد على أن أي انفجار لهذا البركان، لن يدع مكاناً ينأى بنفسه ولا منطقة تكون بعيدة عن لهبه وحممه. لكن الاختلاف يكمن بين رأيين: رأي يرى أن المسارات الحالية سوف تفضي حكماً إلى الحرب، بينما يرى آخرون أن هناك عوامل عدة تمنع نشوبها وأن احتمالية الاحتواء واردة وبقوة.
ويرتكز الرأي الأول على عوامل عدة في رؤيته إلى حتمية حدوث الحرب وهي كالتالي:
أولاًـ التغيير الحاصل في موازين القوى العالمية سوف يفضي بالتأكيد إلى نظام عالمي جديد. ويرى هؤلاء أنه في السياق الذي بدأت الولايات المتحدة بخسارة آحاديتها القطبية، سوف لن تسمح بالقوة العائدة، أي روسيا، والقوة الصاعدة، أي الصين، في الحصول على مكتسبات عالمية لن تقتصر على السيطرة على القارة العجوز، في حال لم تتمكن أميركا من تأمين حاجتها إلى الطاقة، وبالتالي اإمكانية حصول انهيارات اقتصادية فيها، ما لم تصل الدول الأوروبية إلى تسوية مع روسيا، وبصورة خاصة على أعتاب فصل الشتاء الذي تظهر ملامحه قاسية على أكثر من صعيد في أوروبا.
ثانياًـ نضوج حالة الحرب في أكثر من منطقة في العالم، فبعد أن استعرت الحرب الروسية ـ الأوكرانية، أصبحت نقاط أخرى من العالم شبه جاهزة لنشوب الحرب فيها، وهي مناطق مؤهلة ذاتياً للحرب، لكن التوازنات العالمية القائمة كانت تمنع حصول الحرب فيها، مثل تايوان وآسيا الوسطى وسورية (شمالاً وجنوباً)، ولبنان فضلاً عن إمكانية امتداد الحرب الروسية نحو دول أخرى في شرق أوروبا حيث يتصاعد التوتّر بين صربيا وكوسوفو. وربطاً بالموضوع، فإن هناك مصلحة لدى بعض الدول في استغلال الوضع الحالي وتحقيق آمالهم المبيتة عبر شن حروب صغيرة، من أجل دفع تهديد ما على حدودها أو ضم أراض دول أخرى إلى أراضيها، طمعاً بدور جيوسياسي أكبر، أو الحصول على موارد اقتصادية موجودة في هذه المناطق.
ثالثاً- إنشاء تكتلات استفزازية، مثل منتدى غاز شرق المتوسط، والذي يسعى، وفقاً لاجتماعه في منتصف حزيران الماضي، إلى إيجاد سبل من أجل رفد أوروبا بالطاقة (الغاز). والمنتدى المذكور أثار حفيظة تركيا من جهة، وسيطرت الولايات المتحدة عليه من جهة أخرى مؤخراً، الأمر الذي ينذر بحصول توتر عام على شكل ما يحصل اليوم بين لبنان والكيان الصهيوني، والذي قد يمتد إلى دول أخرى من أعضاء المنتدى.
رابعاً- مصلحة دول مثل روسيا في نشوب حروب أخرى في المنطقة لتخفيف الضغط عنها، خصوصاً إذا ما كانت هذه الحروب موضعية، مما يحسن مواقع هذه الدول التفاوضي على أكثر من خط وأكثر من صعيد.
وفي سياقٍ متصل، هناك عاملان اقتصاديان مهمان يؤثران فعلياً في إمكانية نشوب الحرب في المنطقة:
العامل الأول، هو نظرة الولايات المتحدة، ومعها كل كارتيلات الاقتصاد العالمية، إلى منطقة الشرق الأوسط كمنطقة ثروات، ليس عليها سوى إنتاج الطاقة من جهة واستهلاك الناتج الرأسمالي من جهة أخرى، على اعتبار أن حروب أميركا هي أساساً تصريف للفائض الرأسمالي الذي يقوم على قاعدة إنتاج أكبر بعمال أقل، وبالتالي تصبح الحرب وسيلة ممتازة لتصريف الطاقات الانتاجية والرساميل على نطاقٍ ضخم، ذلك أن منطقة الشرق الأوسط لم تكن يوماً من الأيام سوى في هذه الدائرة من قبل القوى الكبرى العالمية. وبما أن حربي سوريا والعراق قد إنتهتا وحرب اليمن على مشارف النهاية، فلا بد من اشعال المنطقة مرة أخرى وفي نقطة جديدة، كي يتسنى للكارتيلات الاقتصادية العالمية تصريف فائض منتجاتهم، وأن تبقى المنطقة أسيرة الدمار على الدوام.
والعامل الثاني، الأخطر هو ما يواجه الرأسمالية من تحدٍّ وجودي مرتبط بإمكانية استمرارها على النحو الذي هو عليه، خصوصاً أن العالم لم يتعافَ بعد من الأزمة الاقتصادية لعام 2008، والتي شبهها الكثير من الخبراء آنذاك بالكساد الكبير الذي حصل العام 1929. على أن الكساد الكبير أحدث فجوة في العلاقات العالمية، وانزلق بعدها العالم نحو عدم السيطرة بالشكل الذي أدى إلى الحرب العالمية الثانية، مما قد يتناغم هذه الأمر مع أصحاب نظرية تكرار التاريخ، خصوصاً في الظروف المشابهة، ويؤدي إلى حرب جديدة لإعادة التوازن إلى هذا الكوكب.
لكن في المقابل، يرى الرأي المعارض أن الأسباب التي يعددها مؤيدو نظرية الحرب، هي نفسها الأسباب المانعة للحرب من جهة، ولكون أدوات السيطرة الرأسمالية أصبحت مختلفة من جهة أخرى.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن موازين القوى ذاهبة نحو المجهول ما لم يتم احتواء الأمور، وبالتالي سوف تسعى القوى العظمى المسيطرة على الأرض والمستغلة لغالبية ثرواتها، للحفاظ على الوضع الراهن، أو القبول بتغييرات صغيرة هنا أو هناك من أجل الحفاظ على مواقعهم التي بنوها خلال عقود من الزمن (والبعض منها خلال قرون من الزمن)، وإن ما سيحصل هو أشبه ببعض عمليات هدم مسيطر عليها، مثلما يتم هدم بناء قديم عبر تفجير مسيطر عليه، من دون الإخلال بالهيكل العام أو البنى التحتية التي يتكون النظام العالمي منها. ومن جهة أخرى يعتقد مؤيدو هذا الرأي أن أصحاب القرار الحاليين لايزال لديهم من أوراق القوة التي يستطيعون من خلالها احتواء المواقف والأزمات، من دون السماح للطرف الآخر بالتمدد نحو تهديد الهيكل بأصل وجوده أو بشكله الحالي.
وأما بالنسبة للرأسمالية، فإنه وبصرف النظر عن أدواتها التقليدية في السيطرة على العالم، باتت تمتلك قدرة جمع البيانات عن سكان الأرض جميعاً وتوجيههم، بل والتحكم بهم وصولاً إلى استعبادهم. وعليه، هي ليست بالوضع المتأزم الذي يجعلها تصل إلى حافة النهاية، بل هي في مرحلة تجدد ليس إلا.
وبالتالي، ومع وجود إرادات متكاتفة لمنع تفجّر الأوضاع ومصالح متبادلة، حتى بين الخصوم والأعداء، بضرورة حفظ ما يمكن الحفاظ عليه من تهدئة قائمة في المنطقة والعالم، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية المتنقلة التي تجعل التفكير في الحرب أمراً مستبعداً، فإن المنطقة خصوصاً والعالم عموماً ذاهبان نحو تسوية قد تعيد رسم التوازنات من جديد، لكنها ستعبر بالكوكب نحو العالم الجديد من دون الحاجة الفعلية إلى تدميره.
ما علاقة كل ما ذكر بلبنان؟ الأمر مرتبط بدخول المقاومة إلى لعبة الأمم من بوابة الطاقة، بعدما كانت لاعباً مؤثراً إقليمياً. ولذلك فإنها اتخذت قرار التصعيد لتحصيل الحقوق في هذه المرحلة، ومن خلال قراءتها الدقيقة للوقائع المتغيرة، وبذلك ستكون الرابح في كلا الاحتمالين: إذا تمت التسويات، ستكون للبنان حصته بفضل المقاومة وموقفها وقوتها. وإذا تدحرجت الأمور نحو الحرب، فإنها ستكون ضمن اللعبة التي ستجعل لبنان داخل دائرة العالم الجديد وليس على هامشه. ومن هنا فإن موقف المقاومة في الذهاب نحو الحرب هو موقف جاد، وستذهب به نحو النهايات.
أخيراً وبصرف النظر عن الآراء المؤيدة لإمكانية نشوب الحرب أو عدمها، فإن الثابت أننا نمر حالياً في عنق الزجاجة في لحظة تاريخية مصيرية حساسة، والأوضاع تتصف بالغموض الحاد، على الرغم من كمّ المعلومات المتوفرة عند الجميع عن الجميع. لذلك فإن الأطراف الفاعلة كافة تقف على أهبة الاستعداد، لأن الخطأ الأول في الحسابات الآن.. قد يكون الخطأ الأخير!