“ربط نزاع” سياسي – حكومي حتى انتخاب الرئيس.. هل تصّمد الدولة؟

/محمد حمية/

تضُجّ الكواليس السياسية بالهمس واللمس والغمز واللمز عن تلاقٍ وتوافقٍ ضمني بين القوى السياسية المتصارعة على الحلبة الداخلية، على معادلة “ربط النزاع” إزاء الاستحقاقات الدستورية، وحُزّمة الملفات والأزمات المتراكمة في البلد، وتأجيلها الى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

فالحكومة الجديدة مؤجلة، وفق ما يوحي سلوك المعنيين بالتأليف.. رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون، يجيدان لعبة “البينغ بونغ”، فيتبادلان “طابة المسؤولية”، ما يعني وضع الحكومة الجديدة على رفّ الانتظار وتأجيل الخلاف حولها الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ولكي يصبح الصراع على الحكومة “محرز”، وفق ما يقول أحد المطلعين على ملف التأليف لموقع “الجريدة”، ويضيف: “المهلة المتبقية حتى تشرين الأول لا تكفي لتأليف حكومة وإعداد البيان الوزاري ونيل الثقة النيابية، فكيف لدرس وإنجاز الملفات القابلة للتفجير السياسي، وما أكثرها؟”.

ويشير مصدر مقرب من ميقاتي لـ”الجريدة” الى أن “القصة واقفة على اتصال، ومن يتصل بمن، ومَن يدعو مَن للاجتماع في بعبدا، لاستئناف البحث بتفاصيل الحكومة”.. هذا في الظاهر، أما في الخفاء فهي قضية صراع على النفوذ والمصالح السياسية، وعلى إدارة المرحلة المقبلة، في حالة الفراغ أم في حالة الانتخاب، وايضاً رهان على متغيرات وتطورات في أكثر من ملف لا سيما انتخاب رئيس جديد، وبالتالي تأليف حكومة على موازين قوى داخلية ـ خارجية جديدة تفرضها هذه التطورات.

ولا يختلف الواقع الحكومي عن واقع الأزمات الأخرى، فقضايا، كتفجير مرفأ بيروت وملف مجزرة الطيونة والملاحقة القضائية لحاكم مصرف لبنان ومصير الحاكم ومنصب الحاكمية والحرب المصرفية ـ القضائية، تنتظر التعيينات والتشكيلات القضائية للبت بدعاوى الرد والارتياب المشروع ومخاصمة الدولة، وهذه التشكيلات التي لا يبدو أنها ستبصر النور في عهد الرئيس عون بانتظار بتها في العهد الجديد.

وكذلك أزمة الحدود البحرية والترسيم والثروة النفطية والغازية، قد تحسم قبل انتخابات الرئاسة، وقد تؤجل الى ما بعدها، وهذا مرهون بتطورات الملف واتجاهاته، أكان نحو الحرب أم الحل السلمي، وكذلك مشكلة النازحين السوريين تنتظر تحركاً جدياً من حكومة الرئيس ميقاتي، والذي لا يبدو متحمساً للتواصل الرسمي مع سوريا تناغماً وتماهياً مع القرار الأوروبي – الأميركي بإبقاء النازحين في لبنان، والمعلومات تفيد بأنه جرى إرجاء هذه القنبلة السياسية المتفجرة الى الحكومة الجديدة، علّها تُعيد العلاقات الرسمية مع الدولة السورية من بوابة المتغيرات في المنطقة.

أما إقرار القوانين الإصلاحية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، فمؤجل أيضاً الى الحكومة الجديدة المؤجلة بدورها للعهد الجديد، على الرغم من التحذير الذي أطلقه موفد الرئيس الفرنسي بيار دوكان منذ يومين، بأن تأجيل الإصلاحات الى ما بعد الانتخابات الرئاسية سيكون مقتلاً للبنان.

والواضح أن الملفات المالية والاقتصادية، وخطط التعافي، ومصير الودائع المصرفية، وقوانين “الكابيتال كونترول”، وإعادة هيكلة المصارف، والتدقيق الجنائي، وأزمات الكهرباء والمياه والمحروقات، ورواتب الموظفين وغيرها، لم تعد الأولوية بعدما تقدم ملف الرئاسة وفتح على مصراعيه، في ظل ضخ أسماء المرشحين في سوق الصرف السياسي. والواضح أيضاً أن حكومة تصريف الأعمال الذي سارع ميقاتي إلى تعويمها برضى الجميع كأفضل الخيارات المتوافرة، تعمل على احتواء الغضب الذي يعمّ القطاعات الوظيفية في القطاع العام، وذلك بجرعات مخدرة عبر سلسلة تقديمات مالية واجتماعية، “من الجمل أذنه” ولا تغني ولا تسمن من جوع، وبذلك يكون ميقاتي قد ربط النزاع مع الموظفين الى حين إقرار الموازنة العامة في الحكومة الجديدة.. أي الى العهد الجديد.

ولم يغِب عن بال القيمين على الوضع اللبناني، ضرورة تمرير فصل الصيف وموسم السياحة “على رواق” طالما الوضع الأمني مضبوط كما يقول وزير الداخلية، و”لاحقين عالمشاكل وعالدبكة” بحسب تعبير أحد السياسيين. والهدف جذب السياح والمغتربين لتمضية إجازاتهم في لبنان ورفد السوق بما تيسر من “الفريش دولار”. فالتوجه العام هو تجميد الملفات، والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، وتصريف ما تيسر من أعمال ومرافق عامة في البلد، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

لكن السؤال هل تصمد الدولة، بمؤسساتها واداراتها وأجهزتها الإدارية والقضائية والأمنية والعسكرية، في ظل الانهيارات المتلاحقة الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية في تشرين الثاني المقبل؟ وماذا لو تأخر انتخاب الرئيس ووقع الفراغ في سدة الرئاسة الأولى في ظل حكومة تصريف أعمال ووضع مالي واقتصادي واجتماعي متفجر؟.

وكيف ستحتوي الحكومة المستقيلة عاصفة الغضب في مؤسسات وادارات الدولة؟ وماذا لو استمر الإضراب في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة، لا سيما التي على تماسٍ مباشر مع المواطنين؟ وماذا لو انهارت الأجهزة الأمنية أو تراجع عملها الى الحدود الدنيا؟ ومن سيلجم سعر صرف الدولار حينها؟ إذ يروي نائب سابق يتابع عن كثب تفاصيل الملفات الحكومية والمالية والاقتصادية، ما شاهده خلال زيارته أحد الوزارات الأساسية للاجتماع مع الوزير المعني، بأنه لم يتمكن من رؤية موظف واحد في الوزارة، ويقول لـ”الجريدة” “إنه أمر مرعب ولا يبشر بالخير، والدولة مريضة وتُحتضر، وقد لا تستطيع الصمود أكثر من شهر واحد”.