شغل نُخب.. لا شغل جمهور! 

| رندلى جبور |

في المجتمع اللبناني حالة تعاطف، وتكاتف، ومحبة، وتعاضد، ونخوة…

هذا نراه في قرانا وبلداتنا، ورأينا ذلك حتى في تلك الحرب، وخصوصاً في أزمة أهلنا الذين تهجروا، قسراً وموقّتاً، من الجنوب والبقاع والضاحية.

هذه الأزمة هي أحد وجوه الحرب الاجتماعية.

الإعلام والسياسة قصة أخرى.

وإذا تركنا “طوني” و”علي” و”محمد” و”معروف” و”إيفان” لوحدهم مع بعضهم البعض، لما واجهنا أي مشكلة. كانوا سيشكّلون صداقة طبيعية، يتبادلون فيها الأحزان والأفراح، ويتشاركون بكل شيء من دون خلفيات، وقد لا يعرف أحدهم دين الآخر إلا انطلاقاً من بعض الشكليات التي جعلها البعض الخبيث عن قصد هي الأساس.

وإذا تركنا المؤيد لهذا الحزب وذاك لوحدهم مع بعضهم البعض، لجلسوا متقاسمين الخبز والملح، والضحك والبكاء، والتسلية، بلا مشكلة، تحت خيمة عنوان كبير هو “لبنان”.

المشكلة الحقيقية هي مشكلة بعض النخب والقيادات.

إنساننا ليس طائفياً، ولكن بعض النخب هي التي تغذّي الطائفية للاستثمار السياسي.

وإنساننا اللبناني ليس متعصّباً، بل إن بعض النخب هي التي تغذّي التعصّب.

وإنساننا إنسان واحد وليس مقسّماً، ولكن بعض النخب حبسته في شرنقة ضيقة.

لولا تحريض بعض النخب، لما رأينا كرهاً لدى العامة.

ولولا نداءات التقسيم، لما فكّر مواطن عادي به.

ولولا التسويق للأفكار المسمومة، لما تسمّم الجمهور.

الناس في عبودية لبعض النخب التي باعت عقلها للشيطان وللاعداء الحقيقيين، فيما كان يفترض بهم أن يكونوا القدوة والمثال والمرجعية الصحيحة.

ولكننا نرى بعضهم يزوّرون الحقائق، فتصل إلى الجمهور مغلوطة.

وهناك من يقلبون الأدوار حتى يصوّروا المقاوم إرهابياً والعدو مدافعاً عن نفسه، فيصبح الحُكم لدى الجمهور على أساس الأدوار المقلوبة.

وهناك من يحمّلون مسؤوليات لغير أصحابها، فيَرجم الجمهور من يحمل قضيتهم ويتغاضون عن القاتل.

وهناك من يزرع الخوف ممن لا يجب أن نخاف منه، فيصبح منبوذاً كما كل نبي، وتصبح الفتنة قريبة.

وهناك من يخفون الكثير من الواقع، فتسيطر الأفكار المتخيّلة على العقول، بدلاً من الواقعية.

وهناك من يشاركون بلعبة المصطلحات التي تصبّ في مصلحة العدو، فيسهّلون عليه تحقيق أهدافه.

وهناك من يمجّدون بخارج وينكّسون بداخل، فتنقلب المقاييس.

وهناك من ينشرون التوقعات قبل أوانها للتسويق لما يشتهون لا لما يحصل بالفعل، فيزرعون ألف شوكة وشكّ.

وهناك من يمارسون المضايقة الفكرية، أو باللغة العامية “الشيطنة” و”التنمر”، على من لم يَدخل في لعبة النخب المضلِّلة، محاولين “زرك” صاحب الفكر النقيّ والقضية الحقة في الزاوية.

هذا كله شغل نخب لا شغل جمهور، ولكن المصيبة تكمن بأن الجمهور يصبح انعكاساً لهذه النخب وببغاوات لها، ويقع المحظور الذي لا نريده.

إننا نحتاج اليوم إلى المزيد من النخب الصافية التي لم تتورط بأي نوع من الخيانات، لنخلص!