ما هي “الأهداف الخفية” للعدوان الإسرائيلي على الجيش اللبناني؟ 

| خلود شحادة | 

لم يستطع أحد من السياسيين إعطاء تفسير مقنع لخلفيات تكرار العدوان الصهيوني على الجيش اللبناني، على الرغم من أن الجيش تفادى أي احتكاك مباشر مع العدو الإسرائيلي في الجنوب اللبناني.

أكثر من 27 شهيداً للجيش اللبناني سقطوا منذ بدء الحرب بين لبنان والعدو الاسرائيلي، منذ تشرين الأول 2023، بينهم 10 شهداء سقطوا منذ العدوان الجوي والبري على لبنان في 23 أيلول 2024.

شهداء الجيش اللبناني، لم يسقطوا خلال مواجهات ضد العدو الإسرائيلي، بل سقطوا باستهداف مباشر للعدو الإسرائيلي، إما لحواجزهم، أو ثكناتهم، أو سياراتهم، أو على دراجاتهم النارية.

يطرح استهداف العدو الإسرائيلي ضباط وجنود الجيش اللبناني وآلياته علامة استفهام حول أهدافه، ولا سيما في ظل الحديث الجدي حول دور الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة، حيث يفترض أن يمسك بزمام أمور السلم وضبط الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، تطبيقاً للقرار 1701 ومندرجاته، عبر زيادة عدد الجنود والضباط عند الحدود اللبنانية إلى ما يزيد عن عشرة آلاف.

تتبجّح الإدارة الأميركية، بأنها الداعم الأول للجيش اللبناني ليصبح جيشاً قوياً وصلباً، وأنها ستعمل على تدعيم قدراته العسكرية، وإمداده بالأسلحة التي يزعم أنها ستمكّنه من الدفاع عن الأراضي اللبنانية بوجه “إسرائيل”، التي تمدها أميركا بأقوى أنواع الأسئلة وأثقلها.

تتفرج الإدارة الأميركية على استهداف العدو الإسرائيلي للجيش نفسه الذي من المفترض أن تعتمد عليه لحماية الحدود، وضمان عدم خرق وقف اطلاق النار من الجانب اللبناني، وتكتفي بالشجب والإدانة ودعوة خجولة لقوات الإحتلال إلى عدم التعرض للجيش اللبناني، وهذا ما يفضح كذب الإدارة الأميركية.

من جهته، يلجأ العدو الصهيوني، إلى استهداف الجيش اللبناني، للتأكيد أنه ليس بمقدور هذا الجيش مواجهة قوات الاحتلال.

تدّعي “إسرائيل” أن معركتها مع “حزب الله” حصراً، إلا أن استهدافها الجيش اللبناني يفضح زيف الإدعاء، كذلك تماديها بحق المدنيين والمجازر التي ترتكبها بحق المدنيين العزّل، متسلحة ببعض الإنذارات للمباني الخالية أساساً في الضاحية الجنوبية، لتقصف العاصمة بيروت بشكل مباغت، يذهب على إثرها عشرات الشهداء والجرحى.

إن دلّ هذا على شيء، فإنه يدل على استهداف العدو الإسرائيلي بشكل مباشر، الثلاثية الذهبية التي وضعها “فريق المقاومة” في لبنان وهي “جيش ـ شعب ـ مقاومة”، محاولاً ضرب هذه المعادلة بالصواريخ الإنشطارية والفراغية.

إذاً، لماذا يلجأ العدو الإسرائيلي إلى استهداف الجيش اللبناني؟

بررت بعض الأطراف الاستهداف الأخير للجيش اللبناني، عند حاجز العامرية ـ صور، بأنه يهدف إلى فتح الطريق أمام قوات الإحتلال للدخول إلى صور بعد وصولهم إلى قرى البياضة وشمع.

إلا أن هذا التحليل، على الرغم من ضعف حجته، يمكن حصره بهذا الإستهداف فقط، لأن الاستهدافات الأخرى كانت في مناطق مختلفة ولا علاقة لها بتيسير طريق الإجتياح البري، إضافة إلى بعض الاستهدافات التي طالت الجنود على دراجاتهم النارية، خارج الخدمة.

يتعمّد العدو الإسرائيلي إذن، استهداف الجيش اللبناني، لإيصال الرسائل السياسية والعسكرية على حدّ سواء.

استهداف الجيش اللبناني من قبل العدو الإسرائيلي، يشكل رسالة للأطراف المناهضة لـ”حزب الله”، أكثر من الحزب نفسه، حيث أنه يؤكد للأطراف التي تطالب بحصر ملف الدفاع عن لبنان، والوجود العسكري في الجنوب بالجيش اللبناني، أن حرب “إسرائيل” ليست ضد “حزب الله” فقط، بل إنها ضد لبنان بشكل عام، وهذا يشكل نقضاً واضحاً للشعارات التي يطرحها خصوم “حزب الله”.

هذا التصعيد ضد الجيش اللبناني وضد المدنيين، بارتكابه المجزرة المروعة في العاصمة بيروت، محاولاً زعزعة الموقف اللبناني في ما يخص اتفاق وقف إطلاق النار، مشدداً عبر “رسائله النارية” أنه لن يلتزم بالقرارات الدولية، وهذا ما جاء على لسان أحد وزراء الكيان قائلاً “آخر همنا الأمم المتحدة والقرارات الدولية”.

من ناحية أخرى، يمكن قراءة هذه الاستهدافات للجيش اللبناني، على أنها محاولة واضحة من العدو الإسرائيلي، لإقحام المؤسسة العسكرية في الحرب، عبر تحميل “حزب الله” مسؤولية زج الجيش في حرب “الإسناد”.

فالعدو الإسرائيلي يسعى منذ اليوم الأول، إلى إشعال الفتنة بين اللبنانيين، سعياً منه لإضعاف “البيئة الحاضنة” للمقاومة، والتي توسعت خلال هذه الحرب خارج إطار بيئة “حزب الله” من جهة، ودعم موقف خصوم المقاومة بالزعم أن ارتكاب المجازر سببه “وجود مخازن أسلحة لحزب الله وشخصيات مستهدفة”.

وبالتالي، يحاول العدو دق إسفين بكل الطرق بين الأطراف اللبنانية، وآخرها وضع الجيش في واجهة الاستهدافات.

صحيح أنه يمكن الاكتفاء بتفسير أساسي يرتبط بوحشية العدو الإسرائيلي الذي ارتكب إبادة جماعية في غزة، ويحاول تكرارها في لبنان. لكن الصحيح أيضاً أن استهداف الجيش اللبناني يمكن وضعه في خانة الأهداف التالية:

ـ توجيه رسالة إلى الجيش اللبناني، بأن المهمة التي سيتولاها في جنوب الليطاني ستكون محفوفة بالخطر لأنه سيكون تحت رقابة الاحتلال، وفي حال حصول أي عمل لا يناسب العدو الإسرائيلي، سيدفع الجيش اللبناني الثمن!

ـ محاولة خلق بيئة محتقنة في الجيش اللبناني ضد “حزب الله”، بهدف دفع الجيش إلى التشدّد ضد “حزب الله”.

ـ ترهيب الجيش اللبناني، بحيث يؤدي ذلك إلى حيّز من من حرية التحرّك للعدو الإسرائيلي تحت أنظار الجيش اللبناني بعد أن تؤدي الضربات ضده إلى ترهيبه وتهديده بالانتقام، على غرار ما فعل مع الشهيد الرائد محمد فرحات الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي ثأراً لموقفه الذي منع فيه الاحتلال من خرق الخط الأزرق، علماً أن العدو نفّذ اعتداءات متكررة أيضاً على قوات الأمم المتحدة “اليونيفيل” بهدف إضعاف دورها وترهيبها من مواجهته في المرحلة المقبلة.

ـ فرض أمر واقع ميداني في الجنوب، بحيث يكون العدو الإسرائيلي مهيمناً، بحيث يخشى الجيش اللبناني و”اليونيفيل” مواجهة جيش الاحتلال إذا خرق القرار 1701، على غرار عشرات آلاف الخروقات التي نفّذها من وضعه قيد التنفيذ في سنة 2006.

وعليه، فإن العدوان المتكرّر على الجيش اللبناني، وكذلك على “اليونيفيل”، من بين أبرز أهدافه الترهيب كي تكون للعدو الإسرائيلي الكلمة العليا في الجنوب، وتحقيق المكاسب التي يريدها من دون قرار، خصوصاً أنه يتحصّن بلجنة ترأسها الولايات المتحدة الأميركية، الداعم الأول والحامي الأكبر للعدو الإسرائيلي، ومعها بريطانيا التي ساعدت الاحتلال في حرب الإبادة على غزة وكذلك في تنفيذ اعتداءات محددة في لبنان ضد قيادات “حزب الله”، والأمر نفسه ينطبق على فرنسا، وإن بنسبة أقل بسبب العلاقة “العاطفية” لفرنسا مع لبنان.

للانضمام إلى مجموعات “الجريدة” على “واتس آب” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/GsVKY7K10Ps5CnREsooVzZ