ماذا بقي من “الإنقاذ”.. في “تصريف الأعمال”؟

/ خلود شحادة /

لم تبلغ حكومة “معاً للإنقاذ” عامها الأول. فبعد انجازها مهمة الانتخابات النيابية، يكون قد تلاشى الهدف الأساسي لها منذ تشكيلها حتى وصولها الى مرحلة “تصريف الأعمال”.
وعلى مبدأ “يا رايح كتّر القبايح”، ختمت الحكومة مسيرتها “الانتحارية”.

في جردة “انجازات” الحكومة، لم يكتب في سجلها أي قرار أو مرسوم، يخفف عن كاهل المواطن المأساة الاقتصادية والمعيشية التي أنهكته. بل لجأت، بكل ما أوتيت من صلاحيات، إلى إصدار القرارات “الانتحارية” والجريئة جداً، وأشهرها رفع الدعم.

ميقاتي كان أعلن مراراً ضرورة وقف الدعم، الذي كان آخر خيط نجاة يتمسك به اللبنانيون، وقد تمكن من رفعه بشكل مقنّع، من دون قرار علني وإنما باجراءات متدحرجة ومغلّفة بشعار “الضرورة” والأمر الواقع.

المحروقات

قبل الأزمة، كان سعر صفيحة البنزين لا يتخطى الـ 30 ألفاً، وصفيحة المازوت حوالي الـ 20 ألفاً كحد أقصى. بدأت حكومة ميقاتي بزيادة تدريجية للأسعار.
ليصل سعر صفيحة البنزين اليوم الى 600 الف ليرة لبنانية، وتلامس أيضاً صفيحة المازوت عتبة الـ 700 ألف ليرة لبنانية، من دون أي خطة بديلة تعوّض على الناس أي فارق في هذا السعر. وهو ما أغرق البلاد بالعتمة بعد اطفاء المولدات، في ظل غياب “كهرباء الدولة”، بالاضافة الى عجز الموظفين عن وصولهم الى مراكز عملهم بسبب ارتفاع تكلفة النقل.

وفي عملية “ترقيع” لقراراتها، أقرت الحكومة زيادة بدل النقل الى 64 ألف ليرة للقطاع العام، و65 ألف ليرة للقطاع الخاص.

هذه القرارات العشوائية، كانت كفيلة بأن تدفع العديد من المؤسسات الخاصة الى الاستغناء عن موظفيها، أو عدم الالتزام بالمرسوم الحكومي. مع مبرر أنهم في بلد يغرق بالتضخم المالي، وتستحكم بأعناقه الأزمة الاقتصادية، مما جعل المؤسسات الخاصة على شفير الافلاس.

أما عن المؤسسات العامة، “ألف ليرة بالناقص” عن القطاع الخاص، بحسب الدراسات الحكومية، كانت كفيلة بأن تمنع “افلاس الدولة”!

الأدوية.. للأغنياء فقط! 

أعلنت الحكومة أيضاً رفع الدعم “الجزئي” عن الأدوية وحليب الأطفال. وما كان يُحاك في الخفاء ظهر إلى العلن بلوائح جديدة، تؤكّد أنّ هذه الأدوية التي هي من حقّ اللبنانيين، لن تكون بمتناول كثيرين منهم. هذا الواقع المأزوم وما كان يسوّق له على أنّه ترشيد الدعم للأدوية المزمنة أصبح اليوم حقيقة مرّة برفع الدعم الكامل.

وبهذا القرار، تكون الحكومة قد أطلقت الرصاصة الأخيرة على صدر اللبنانيين، في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الكارثية، وغض الطرف عن كل ما ستتدحرج إليه الأمور بعد هذه “المجزرة الدوائية”، إضافة إلى معاناة مختلف المواطنين في المستشفيات، بغض النظر عن الجهة الضامنة التي ينتسبون إليها.

خرجت الحكومة بهذا القرار متكئة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كان قد صرّح سابقاً بأن المبلغ المرصود لدعم المستلزمات الطبية والأدوية يقدر بـ 35 مليون دولار، وهو غير قادر على الاستمرار.

المفاوضات مع صندوق النقد

الممطالة والتسويف نهج اتبعته الحكومة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، آخذة من آلية توزيع الخسائر حجة، لتعود بعد أشهر الى اعتماد خطة التعافي المالي التي كانت قد وضعتها حكومة الرئيس حسان دياب. مع بعض التعديلات الطبيعية للأرقام التي تغيرت خلال الوقت الضائع.

حقوق المودعين
بحسب خطة التعافي لحكومة دياب، كان من المفترض أن توزع الخسائر على ثلاثة أطراف: الدولة اللبنانية، مصرف لبنان، والمصارف، مع ضمان عدم المساس بالودائع لغاية مليون دولار، وأن تنحصر خسائر المودعين بالفوائد التي حصلوا عليها من المصارف خلال 3 سنوات.

حقوق المودعين كانت “مقدسة” بالنسبة لميقاتي، ويمنع منعاً باتاً استثمارها في الدعم. هذا قبل استلامه الحكم.
أما بعد ترؤسه الحكومة، فاتجه ميقاتي لتحميل المودعين وحدهم الخسائر، وذلك عبر “شطب مقنّع” لكل الودائع التي تزيد عن 100 الف دولار. مع بعض النتائج التي ستترتب على المصارف اللبنانية، بسبب خسارتها لأموال المودعين.

واصلت الحكومة، سياسة استنزاف الاحتياط الالزامي، عبر التعميم رقم 161، في محاولة منها لاقناع الشارع اللبناني والمجتمع الدولي، أن وجودها خلق نوعاً من الاستقرار المالي والنقدي. وبذلك عادت الحكومة الى سياسة دعم الليرة اللبنانية، عبر هذا التعميم، وهي السياسة التي أوصلت لبنان اصلاً الى ما هو عليه، من أزمة اقتصادية صنّفت هي الأسوأ في العالم.

لكن “الخدعة” لم تستمر طويلاً، والاستقرار “المزعوم” انقلب على نفسه، بعد أن استقر سعر صرف الدولار لفترة لا تتجاوز الشهر ما بين العشرين ألفاً والـ 25000، ليرتفع من جديد ويتخطى الثلاثين ألفاً مباشرة بعد الانتخابات النيابية.

الاتصالات: زيادة التعرفة أو..؟ 

“ختامها مسك” كان مع رفع تعرفة الاتصالات، التي يبدأ العمل بها في الأول من شهر تموز المقبل. لتصبح الاتصالات في لبنان “الأعلى سعراً” مقارنة بالدول الأخرى، وبالنسبة للدخل الفردي.
وقد وضعت الحكومة، اللبنانيين، أمام خيارين: امّا رفع التعرفة وامّا “لا انترنت ولا اتصالات”، ويصبح لبنان معزولاً عن محيطه بالكامل.

الخبز مفقود

“إلّا رغيف الخبز”.. هذا ما شددت عليه كل الحكومات اللبنانية التي تعقابت خلال الأزمة. وحكومة ميقاتي تحديداً أكدت استمرار دعم رغيف الخبز حتى “آخر فلس”.

ولكن، في الواقع الرغيف ليس مدعوماً، وأسباب ارتفاع سعر ربطة الخبز، وان ألبسوها قناع ارتفاع سعر المازوت، وانقطاع الطحين ووو.. الا أن الحقيقة الظاهرة كالشمس لا يخفيها اصبع التبريرات. الدعم مرفوع عملياً عن “لقمة الفقير”!

وهذا ما تثبته التهديدات التي تطال رغيف الخبز، عند كل ارتفاع مضطرد للدولار، لتصطف الطوابير أمام الأفران مباشرة، في بلد مهيّأ للأزمات بشتى أنواعها.

قدّمت هذه الحكومة “هدايا مجانية” لصندوق النقد الدولي، من دون أن تحصل على مكسب في المقابل، وبالتالي فإن أي تفاوض مقبل مع الصندوق سينطلق من الواقع الحالي ليفرض الصندوق شروطاً أقسى على اللبنانيين.

تهكّم كثيرون على الرئيس ميقاتي عندما قال “بدنا نتحمل بعض”.. وكان يفترض أن يستدرك قوله يومها لتوضيح مقاصده، إلا أن هذا التعبير يبدو أنه كان مقصوداً وعن سبق الإصرار، لأن اللبنانيين وحدهم تحملوا عنهم.. وعن غيرهم، ولم يتحمّل عنهم أحد. “البعض” يبدو أنه كان من طرف واحد!