| محمد وهبة |
ثمة ثلاثة نماذج «فاقعة» من أصحاب الحقوق المسلوبة التي تعاملت معها قوى السلطة بمنطق واحد: «التذويب»؛ أحدثها الودائع المنهوبة، وبأهمية مماثلة، تمتدّ قضية أصحاب الحقوق في وسط بيروت عميقاً في جذور المجتمع اللبناني، وإلى جانبها أصحاب الحقوق في تعاونيات لبنان. وبمعزل عن الفروقات في آليات النهب ونتائجها الطبقية، فإن نمط تعامل السلطة معها يأتي في إطار واحد يهدف إلى الاستيلاء على الحقوق. والمشترك بين هذه النماذج أن عملية السلب تكرّست بفعل القانون أو الواقع، مع فرق واحد أن أصحاب الحقوق في المصارف يختبرون الأمر منذ خمس سنوات فقط بعكس الآخرين الذين مضى على عملية نهب أملاكهم وأموالهم أكثر من 25 عاماً.
في وسط بيروت، جرى إحلال فئة محلّ فئة سُلبت أملاكها بقوّة القانون وبواسطة أدوات الحكم برؤوسها الثلاثة في رئاسة الجمهورية ومجلسَي النواب والوزراء، وأدوات التنفيذ الأدنى مثل اللجان القضائية ومجلس الإنماء والإعمار ولجان التخمين والمتعهدين، وصولاً إلى التركيبة الهرمية للشركة. وكل ما حصل عليه أصحاب الحقوق في وسط بيروت مقابل التنازل عن أملاكهم لشركة «سوليدير» أسهماً لم يزد مردود الواحد منها عن 7 دولارات سنوياً في السنوات الثلاثين الماضية، مقابل بيع أكثر من نصف مخزون الشركة من العقارات.
أما في قضية «تعاونيات لبنان»، فهناك سرقة للأموال، وصراع نفوذ على ملكية جمعية تعاونية لديها امتداد في «شوارع» سياسية، لذا جاء تحرّك السلطة بالقطارة بلا خاتمة واضحة، وهو أمر مماثل لما يحصل اليوم نسبة إلى تحرّكها في اتجاه أصحاب الحقوق في المصارف الذين يتجاوز عددهم المليونَي مودع، أقليّة بينهم من أصحاب الودائع الكبيرة. عملياً، كانت إستراتيجية قوى الحكم قضم الحقوق بمرور الزمن.
المنطق نفسه سرى على الجميع، سواء في سرقة الأراضي والأملاك ومنحها للغير في «سوليدير»، أو السكوت والتواطؤ لسرقة أموال المساهمين في تعاونيات لبنان، ويتكرّر الأمر، اليوم، مع أصحاب الودائع الذين سُرقت أموالهم على مدى العقود الثلاثة الماضية وسط امتناع مقصود عن التعامل مع «جريمة» أدّت إلى انهيار نقدي ومصرفي ومالي هائل، بنتيجته تشظى المجتمع بالتضخّم والهجرة اللذين نتجا منها.
«تعاونيات لبنان»: 24 سنة نهب
منذ 34 سنة، تأسست «تعاونيات لبنان» تحت اسم «الجمعية التعاونية الاستهلاكية في بيروت»، ثم عُدّل لاحقاً ليصبح «الجمعية التعاونية والاستهلاكية والإنتاجية في لبنان». الفرع الأول كان في محلة صبرا، ثم أطلقت عملية توسّع عبر استملاك التعاونيات الصغيرة المتعثّرة وافتتاح فروع في غالبية المناطق اللبنانية، حتى بلغ عددها 49 فرعاً وبات لديها حصّة سوقية تبلغ 60% من مجمل مبيعات السوبرماركت في لبنان.
كان يعمل فيها نحو 1300 موظف ويسهم فيها 23030 فرداً برصيد إجمالي قيمته 30.4 مليون دولار، بالإضافة إلى صندوق ودائع يستثمر فيه نحو 688 مودعاً برصيد إجمالي قيمته 8.69 ملايين دولار. كذلك، ترتب عليها ديون مصرفية بقيمة 24 مليون دولار، وديون للمورّدين بقيمة 34 مليون دولار، وللضمان الاجتماعي بقيمة 5 ملايين دولار، وللموظفين وديون أخرى بقيمة إجمالية تبلغ 2.5 مليون دولار. وفي المقابل بلغت قيمة مبيعاتها اليومية 600 مليون ليرة، أي نحو 220 مليار ليرة سنوياً ولديها أصول قدّرت قبل الأزمة بنحو 37.7 مليون دولار من دون احتساب قيمة العلامة التجارية.
رغم اختلاف كثيرين على ما حصل، إلا أن الوقائع تشير إلى أنه في عام 1994 عرض رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، على رئيس مجلس إدارة تعاونيات لبنان آنذاك، منير فرغل، شراء أسهم في «تعاونيات لبنان» بهدف السيطرة على المؤسسة التي يتصل بها عدد كبير من الموظفين والمساهمين والمودعين، فضلاً عن أن مبيعاتها كانت ستنعش عمليات «بنك البحر المتوسط».
وفي هذا الوقت «وصلت الإيداعات في الصندوق الاستثماري إلى 18 مليون دولار، بعدما حظيت بـاجتهاد من المفتي يعتبر الفوائد المجنية من هذا الاستثمار بأنها حلال»، بحسب عضو لجنة المساهمين والمودعين، محمد قاسم. رفض رئيس التعاونيات منير فرغل العرض، في غمرة توسّع غير مدروس أفقياً وعامودياً. وفي عام 2000، جرى تحويل أزمة السيولة لدى التعاونيات إلى فضيحة على تلفزيون المستقبل وجريدة المستقبل. فوراً، سُحبت من صندوق «الودائع» نحو 12 مليون دولار، ما خلق أزمة سيولة كسرت ظهر «تعاونيات لبنان»، وتحوّل المساهمون والمودعون إلى أصحاب حقوق منهوبة.
كان لهذه المؤسسة نوعان من الخصوم؛ خصم سياسي يرغب في وضع اليد عليها، ومنافس تجاري بعدما صار مؤشّر الأسعار في وزارة الاقتصاد مبنياً على أسعار مبيعات «تعاونيات لبنان»، وبهامش ربح يراوح بين 2% و3% على السلع الغذائية الأساسية وبمعدلات مرتفعة على السلع الكمالية، وبفوائد على الودائع تفوق تلك التي تدفعها المصارف بـ1%. ولعب العامل السياسي المتعلق بالرغبة في السيطرة عليها، دوراً كبيراً في تعميق الأزمة وتثبيتها، فهي كانت تعني للحريري الكثير لأن مجموعات واسعة من المساهمين هم من أبناء بيروت وطريق الجديدة، كما أن المؤسسة كانت خاضعة لوصاية وزير الزراعة الذي كان محسوباً في تلك المدة على رئيس مجلس النواب نبيه بري، فضلاً عن أن صهر هذا الأخير كان مورّداً لها ولديه رغبة في توسيع نفوذه داخلها.
ومع انكشاف الوضع المالي للمؤسّسة، جرى وضع اليد عليها بعد حلّ مجلس الإدارة وتعيين لجنة مؤقّتة لإدارتها، بالإضافة إلى تعيين مدقق حسابات دولي. لكن لم يتم تحديد مسار لمعالجة الوضع، بل جرى العمل على تفكيكها ونقل ملكيتها إلى شركة «المخازن».
لم يتوقف نهب التعاونيات حتى الآن، لكن حصل الأمر على مراحل يفصل بينها إقرار القانون 109 في 2010، الذي قضى بتخصيص 75 مليون ليرة (50 مليون دولار آنذاك) مقابل تصفية موجودات التعاونيات، وتعويض الدائنين من مساهمين ومودعين وتجّار. لكن مضت تسع سنوات بين إقرار القانون وبين انفجار الأزمة المالية والمصرفية والنقدية في 2019، وطوال هذه المدة لم تصدر المراسيم التطبيقية للقانون. أما الانهيار، قد نسف إمكانية الحلّ وفقاً لهذا القانون ولم تعد هذه الاعتمادات المالية ذات قيمة فعلية. «هكذا مضت 24 سنة على أزمة تعاونيات لبنان في ظل لجان مؤقتة تنهب موجوداتها وأرباحها»، يقول قاسم.
الودائع طارت… لكنها مقدّسة!
بحسب أرقام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، فإنه في نهاية عام 2019 بلغ عدد حسابات الودائع في المصارف اللبنانية نحو 2.8 حساب فيها 116 مليار دولار (ودائع بالعملة الأجنبية و89521 مليار ليرة (ودائع بالليرة كانت تساوي آنذاك 60 مليار دولار). وكان 95.21% من الحسابات فيها 33%، بينما 4.79% من الحسابات فيها 67% من الودائع. التركّز كان هائلاً، ودائماً ما كان كذلك على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. ورغم غياب الأرقام الدقيقة عن عدد الحسابات والزبائن، إلا أن مشهد تركّز الودائع لم يتغيّر كثيراً الآن رغم التغيّر اللاحق في قيم الحسابات. وبحسب أرقام مصرف لبنان، فإن لدى المصارف التجارية ودائع بالعملة الأجنبية بقيمة 89.6 مليار دولار وودائع بالليرة اللبنانية قيمتها 49749 مليار ليرة (تساوي 555 مليون دولار وفق سعر صرف 89500 ليرة مقابل الدولار).
في المحصّلة، انخفضت الودائع بالعملة الأجنبية بقيمة 26.4 مليار دولار، وانخفضت الودائع بالليرة بقيمة 39772 مليار ليرة (تساوي بسعر الصرف الثابت 1507.5 ليرة نحو 26.3 مليار دولار، أما بسعر صرف اليوم، فهي تساوي 444 مليون دولار). وهذه الأموال لم تسحب بغالبيتها، إنما «فُتحت» لها طرق للخروج من القطاع المصرفي بأقلّ من قيمتها الاسمية، أي قيمتها يوم إيداعها.
الخسارة الكبيرة في هذه الودائع أنها فقدت قيمتها الاسمية، سواء بالليرة أو بالدولار. فقد تبيّن أن سحب الدولارت من المصارف يعرّضها لخسارة تبلغ الفرق بين قيمة السحب التي ما زالت 15000 ليرة لكل دولار، وبين السعر المسجلة فيه البالغ 89500 ليرة مقابل الدولار. كل دولار يخسر 74500 ليرة، وبالتالي الخسارة اللاحقة بما تبقى من ودائع تبلغ 74.5 مليار دولار. أما الخسارة اللاحقة بودائع الليرة، فهي تساوي الفرق بين سعر الصرف الثابت 1507.5 ليرة وبين سعر الصرف الحالي 89500 ليرة، أي 87992 ليرة. عملياً، خسرت ودائع الليرة 59.4 مليار دولار أو ما يوازي 99%.
منذ خمس سنوات توقفت المصارف عن دفع الودائع ومارست قيوداً غير شرعية على الزبائن. مصرف لبنان كان شريكاً واضحاً في هذه العملية، بينما مؤسسات الحكم من الحكومة إلى مجلس النواب والقضاء وسواهم، وقفوا يتفرّجون على ما يحصل من دون أن يحرّكوا ساكناً. هذه القضية ما زالت قائمة، ولا يحصل المودعون إلا على الفتات. فالتعاميم التي صدرت من مصرف لبنان، تمنح أصحاب الحقوق في المصارف مبالغ شهرية وفق ثلاث شرائح: الأولى 150 دولار شهرياً ضمن حدّ أقصى 2850 دولاراً، والثانية 300 دولار وفق حدّ أقصى 50 ألف دولار، والثالثة 400 دولار ضمن حدّ أقصى 50 ألف دولار.
لم يصدر أي قانون ينظّم القيود التي فرضتها المصارف ومصرف لبنان أو يشرّعها. المودعون مشتّتون بين جمعيات «بلا طعمة» وجمعيات «بلا حول ولا قوّة» وآخرون أجروا تسويات في الخفاء مقابل سكوتهم. وكل المعالجات المطروحة على الطاولة وعلى رأسها معالجة أوضاع المصارف وإعادة هيكلتها بالإضافة إلى قانون التوازن المالي والكابيتال كونترول، كلها تدور حول مسألة واحدة هي الودائع ونسبة الاقتطاع منها بالمباشر أو بشكل غير مباشر. وهذا ينعكس مباشرة على مسألة تصنيف الودائع وسقف التعويض لها.
فقد برزت بدعة «الودائع المؤهلة» و«الودائع غير المؤهلة» لتقسيم الودائع على أساس سقوف مالية فقط من دون أي رؤية اجتماعية لما تمثّله هذه الودائع في الاقتصاد وفي بنية المجتمع. عملية التصنيف تصبّ مباشرة في معركة «توزيع الخسائر» التي ما زالت جارية منذ خمس سنوات. المودعون خسروا الكثير حتى الآن، وما يُعرض عليهم مرتبط إلى حدّ كبير بالولاءات السياسية للقسم الأكبر منهم، وبتركّز الودائع في يد قلّة من كبار المودعين الذين يعتقد «الزعيم» أنهم محور حيوي في مجال النهب خاصّته. واللافت أنه كان هناك اهتمام كبير بالودائع بالدولار بينما جرى استبعاد أي تعويض فعلي للودائع بالليرة رغم أن خسارتها أكبر. وتم تحويل مسألة الودائع إلى «قميص» يلبسه كل من يسعى إلى الشعبوية، ويتغطّى به كل من يريد تمرير مشروع أو فكرة او من يريد رفض مشروع أو فكرة.
هذه ليست سوى البداية التي لم يمضِ عليها أكثر من خمس سنوات. اختبرها سابقاً مساهمو تعاونيات لبنان، فيما يمكن القول إن أملاك أصحاب الحقوق في وسط بيروت ضاعت.
أسهم «سوليدير» بلا مردود
أقرّ مجلس النواب في تموز 1992 المرسوم 2537 الذي ينشئ الشركة اللبنانية لتطوير وإعادة وسط بيروت «سوليدير»، وسمح لها بتملّك أراضي أصحاب الحقوق في وسط بيروت وأملاكهم بذريعة تنفيذ أشغال البنية التحتية وترتيب المنطقة التي تقع ضمنها وإعمارها. كذلك، سمح القانون لهذه الشركة بردم جزء من البحر مقابل ما سمّي الوسط التجاري لمدينة بيروت، بموجب اتفاق بين الشركة ومجلس الإنماء والإعمار يصدر بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وأعطاها مجلس النواب صلاحيات واسعة للقيام بهذا الأمر في البند الخامس من المادة الثالثة التي تحدّد موضوع الشركة: «القيام بجميع العمليات والأعمال الضرورية التي يتطلّبها تنفيذ موضوع الشركة». بنتيجة هذا القانون، قامت الشركة بإخراج كل القاطنين من أصحاب الحقوق أو مهجّرين.
بحسب دراسة تجمّع أصحاب الحقوق، فإن لجان التخمين قدّرت قيمة 1630 عقاراً بنحو 1170 مليون دولار على أساس 1532 دولاراً لمتر الأرض المربع، و100دولار لسعر المتر المبني. كذلك حدّدت مبلغ 7000 دولار لقاء إخلاء كل عائلة من المهجرين، ما رفع عدد العائلات المهجّرة المسجّلة في المنطقة من 5000 أسرة إلى 18000 أسرة، وارتفعت قيمة التعويض إلى 12000 دولار. هكذا، أنفقت الشركة 285 مليون دولار على عملية الإخلاء بدلاً من 37 مليون دولار كانت مخصصة لهذه العملية. «غالبية هذا المبلغ ذهبت إلى جيوب السماسرة من كوادر الأحزاب وسوليدير» بحسب أعضاء في تجمّع أصحاب الحقوق.
وفي أيار 1994، دعت الشركة إلى عقد جمعية عمومية من أجل زيادة رأس المال من المقدمات النقدية بقيمة 650 مليون دولار. حضر الجلسة المساهمون النقديون، فيما غابت غالبية المساهمين العينيين الذين يشكّلون 63% من رأس مال الشركة. وخلصت الجلسة إلى إبراء ذمة هيئة التأسيس وانتخاب مجلس إدارة ترأسه ناصر الشماع وتأسيس الشركة رسمياً برأسمال 1820 مليون دولار مؤلفاً من 182 مليون سهم بقيمة 10 دولارات للسهم الواحد. ثم انطلقت عمليات الهدم. خلال سنتين هدمت الشركة 1000 مبنى وأنفقت خلال ثلاث سنوات 1018 مليون دولار.
ورغم بيع مساحات واسعة من الأراضي، إلا أن الشركة في أول 13 سنة لم توزّع أنصبة أرباح إلا ستّ مرات، بمعدل 20 سنتاً للسهم الواحد. عمليات البيع كانت بقيمة 5250 دولاراً للمتر المربع، أي أكثر بـ3.5 مرات من سعر تخمين الأراضي. وبرعاية سياسية ازدادت مساحة الأراضي المردومة من 240 ألف متر مربع إلى 780 ألف متر مربع، ونالت الشركة الكثير من الامتيازات التي حوّلتها إلى دويلة ضمن دولة. وفق حسابات سنوات ما قبل الأزمة، فإن مردود سهم سوليدير لم يتجاوز في المتوسط 7 دولارات منذ تأسيس الشركة.
هكذا تحوّل أصحاب الحقوق، وهم بالآلاف، إلى مساهمين بلا مردود، بينما الشركة لديها محفظة عقارات تقدّر بنحو 1.25 مليون متر مربع من المساحات المعدّة للبيع والتطوير مقدرة بنحو 2.5 مليار دولار وفق الأسعار الرائجة، وأملاك مبنية بقيمة مقدرة بنحو مليار دولار وفق الأسعار الرائجة، و42% من سوليدير إنترناشيونال التي تأسّست لتعمل في الخاردج خلافاً لقانون إنشاء «سوليدير». وكان يفترض أن تنتهي مدّة الشركة في 2019، إلا أن مجلس الوزراء قرّر بمرسوم متجاوزاً قانون إنشائها، تمديد المهلة إلى 35 سنة اعتباراً من 1994، والشركة تسوّق الآن أنها تحتاج إلى مزيد من التمديد.
عملياً، «سوليدير» أُسّست لتكون آلة نهب لأصحاب الحقوق بلا حلّ. إذ إن كل القضايا التي رفعت من أصحاب الحقوق، نامت في أدراج القضاء لسنوات، أو صدرت في بعضها أحكام «غبّ الطلب» لمصلحة الشركة. أما ما صدر لمصلحة المساهمين، مثل تقرير المستشار المقرّر في مجلس شورى الدولة، ريتا كرم، الذي يعلّل إبطال المرسوم 15909 المتعلق بتمديد عمر الشركة إلى 35 عاماً: «موجب الإبطال بسبب اتخاذه لغاية غير الغاية التي من أجلها خوّل القانون السلطة المختصّة حقّ اتخاذه، لأن الهدف من تعديل نظام الشركة الأساسي هو أداء خدمة خاصة إلى شركة سوليدير وليس تأمين المصلحة العامة، باعتبار أن لهذه الأخيرة منفعة خاصة بهذا التمديد»، فهو ما زال حبراً على ورق. أصحاب الحقوق في «سوليدير» ما زالوا مجرّد «مناضلين» في قضية تحتضر بمرور الزمن.
انتقال الملكية إلى «المخازن»
في عام 2000 وإثر قرارات اللجنة المؤقّتة، وقّعت الشركة المتحدة للأسواق مع تعاونيات لبنان عقد إدارة وتشغيل حصرياً تحوّل لاحقاً إلى عقد استئجار لمدة 20 عاماً انتهت في عام 2020 مقابل 5.5% من المبيعات على أن تسدّد تعاونيات لبنان كلفة الكهرباء التي تمثّل نحو 2% من المبيعات، أي إن شركة المخازن تدفع فعلياً كلفة استئجار معدّلها 3.5% من المبيعات.
وكان رأس مال الشركة المتحدة يبلغ 5 ملايين ليرة فيما كانت مبيعات تعاونيات لبنان تصل إلى 145 مليون دولار سنوياً، لكن ما حصل لاحقاً هو الأغرب، إذ إن الشركة المتحدة تنازلت عن 61% من رأس مالها إلى «المخازن الكبرى» لتنطلق عملية فكفكة كان أول ضحاياها إقفال 20 فرعاً غالبيتها بلا مبرّر تجاري سوى إفساح المجال أمام فروع «المخازن»، ما أدّى إلى تقليص الحصّة السوقية لمبيعات «تعاونيات لبنان» إلى ما لا يزيد على 9% من مجمل مبيعات السوبرماركت (قبل الانهيار) في سوق إجمالية يُقدّر حجمها بنحو 4.5 مليارات دولار سنوياً.
20 حساباً مصرفياً
ضمن شريحة الودائع التي تتجاوز 100 مليون دولار، وأودعوا فيها 2.25 مليار دولار (بالعملات الأجنبية)، وفيها أيضاً 1872 مليار ليرة بحسب إحصاءات مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف في نهاية 2021، وهناك 41 حساباً ضمن شريحة الودائع التي تتراوح بين 50 و100 مليون دولار، وفيها 1.5 مليار دولار (بالعملات الأجنبية)، وفيها أيضاً 2000 مليار ليرة.
3.54 مليارات دولار
هو مجموع مبيعات الأراضي التي وردت في تقارير مدقّقي الحسابات الخاصة بشركة «سوليدير» بين عامي 1994 و2022، علماً أن قيمة ما تبقّى من الأراضي كانت مُقدّرة في عام 2005 بنحو 4.8 مليارات دولار، أما اليوم فما تبقّى يُقدّر بنحو 2.5 مليار دولار.
200 مليون دولار
هي قيمة القروض والتسهيلات المصرفية التي سدّدتها «سوليدير» في عام 2022 لتغلق كامل ملف الديون الذي كان يمثّل عبئاً كبيراً عليها ولم يتح لها تسديد هذا المبلغ إلا بسبب الأزمة النقدية والمصرفية، إذ سدّدت هذه المبالغ بالشيكات المصرفية، علماً أن الشركة باعت في عام 2020 عقارات بقيمة 382 مليون دولار وفي عام 2021 بقيمة 85.2 مليون دولار وفي عام 2022 بقيمة 29.6 مليون دولار.