| جورج علم |
حملت رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة أورسولا فون دير لاين إلى بيروت الرقم صفر. بقي الرصيد “صفر”. من يموّل الشيك؟ وكيف؟!
يحاول الحراك الرسمي أن يجد الجواب. ما يقوم به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بالتشاور والتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، مفيد. المطلوب فتح الأبواب والنوافذ، علّه يدخل شعاع من نور يبدّد هذه الظلمة، ينفّس الإحتقان.
يطالب البطريرك بشارة الراعي بتوحيد الموقف. من أين نأتي بهذا الملح؟ من أي مقلع؟ وقد تفرّقت الشعوب اللبنانية جماعات وعصبيات. ثم أين هو الموقف؟ ما هو؟ ما شكله، وحجمه، ولونه؟ ما قماشته وبطانته؟ طالما أنه يتدرّج ويتدحرج من “فائض القوة” إلى “قعر الهوّة” فوق منزلق وطني خطير.
“شيك أوروبي” بمليار يورو. الرقم مغر. لكن أين يصرف؟ ومن يموّل الرصيد؟
تمنّى الرئيس ميقاتي على الرئيس برّي أن يتحمل النواب المسؤوليّة. إنهم ممثلو الشعب. لهم الكلمة، وعليهم مواجهة الواقع.
أعلنت فون دير لاين في بيروت أن الإتحاد الأوروبي “عرض” على لبنان حزمة ماليّة بقيمة مليار يورو، ولم تقل: “قدّم”!
هناك “عرض”، وعلى لبنان أن يدرسه، ويدوّن ملاحظاته، ويحدّد شروطه، ويصيغ ردّاً واضحاً. هناك مرحلة إعداديّة قد تستغرق وقتاً، ويتخلّلها أخذ ورد، ومدّ وجزر، قبل بلوغ شاطىء الأمان.
يقول دبلوماسي مطلع، إن ما عرضه الوفد الأوروبي على المسؤولين، مجرّد “مشروع”، من عناوينه: تحسين الظروف الإجتماعيّة والمعيشيّة. وتفعيل الخدمات الأساسيّة. دعم القوى الأمنيّة. الحرص على السلم الأهلي. ضرورة ملء الفراغات، وتفعيل المؤسسات.
كان الموقف واضحاً. قدّم مواصفات “الشيك”:
أولاً ـ ليس هناك من رزمة ماليّة بقيمة مليار يورو، موضّبة بشكل متناسق، ضمن حقيبة حملتها السيدة فون دير لاين إلى المسؤولين، ولن تكون هناك على الأطلاق… بل قائمة بالمواضيع التي يفترض بحثها، والبناء عليها، على أن يكون التنفيذ برعاية وإشراف الإتحاد الأوروبي، بالتنسيق والتعاون مع السلطات اللبنانيّة المختصّة.
ثانياً ـ تعتبر المحاسبة، والشفافيّة، من الشروط الملازمة للحزمة الماليّة، وطرق الإستفادة منها.
ثالثاً ـ يعود للمفوضيّة وللبنان، التفاهم على سلّم الأولويات، وشروط التنفيذ، والمهل القانونيّة الملزمة.
رابعاً ـ وفق آليات العمل المعتمدة في الإتحاد الأوروبي، لا بدّ للعرض الذي قدّمته رئيسة المفوضيّة من أن يأخذ طريقه عبر المؤسسات الأوروبيّة الرسميّة المتخصصة، قبل أن يسلك طريقه نحو التنفيذ، وهذا يعني المزيد من الوقت، للمزيد من الدرس والتخطيط، قبل أن ينبلج الفجر.
خامساً ـ كانت السيدة فون دير لاين واضحة لجهة “حثّ المسؤولين اللبنانييّن على المضي قدماً في الإصلاحات الماليّة ـ المصرفيّة ـ الاقتصاديّة لإعادة إحياء بيئة الأعمال، والقطاع المصرفي”.
وهنا يسلّط الدبلوماسي الضوء على بعض ما سجّله الوفد الأوروبي من ملاحظات:
1 ـ لم يكن من وضوح في بيروت. وبعض ما أثير في السرايا الحكومي، طُرح في عين التينة، لكن المقاربات لم تكن واحدة. كان هناك تباين، لا بل سُجّل تباعد في وجهات النظر حيال بعض الملفات الحساسة.
2 ـ لم تكن هناك التزامات واضحة. كانت وعود صيغت بجمل متقطّعة، ورغبة في “أننا نريد.. ولكن لا نستطيع التأكيد على الوفاء بالإلتزامات”. وهذا يعود بالطبع إلى مسار عام إنتهجه اللبنانيّون منذ العام 2019، عام الخيبة والإنهيار الكبير، وإستمر بوتيرة غير مسبوقة أدت إلى الفراغ الذي ينهش الدولة، وما تبقى لديها من مؤسسات.
3 ـ غادر الوفد الأوروبي ومعه إنطباع مفاده أن بيروت بحاجة ماسة إلى المليار، لا بل إلى مليارات. الخليج أقفل صناديقه، وبرّر الإقفال بشروط سياسيّة، وأمنيّة، لم يتمكن الجانب اللبناني من تأمينها لأسباب داخليّة وخارجيّة ضاغطة. ولم يبق أمام بيروت سوى الغرب الأوروبي ـ الأميركي الذي يطلّ على الدول المتعثّرة من نوافذ شروطه القاسية، وفي مقدمتها الإصلاحات المطلوبة من هذه الدولة، أو تلك. وللبنان تجربة مع صندوق النقد الدولي، ولم يتمكن من تلبية شروطه في تنفيذ إصلاحات ماليّة ـ مصرفيّة ـ إقتصاديّة ـ سياسيّة ـ أمنيّة… للحصول على المليارات الثلاثة التي وعد بتسديدها على مدى ثلاث سنوات، ويخشى أن يخسر المليار الأوروبي، إن لم يموّل “الشيك” من حواضر البيت اللبناني المنهوب!
وينتهي الدبلوماسي إلى القول، ربما وجد الرئيس نبيه برّي “المخرج”، عندما إقترح إمكانية تشكيل لجنة مشتركة بين لبنان والإتحاد الأوروبي لمتابعة نتائج الزيارة، وما أسفرت عنه المحادثات من تفاهمات. لقد لاقى إقتراحه ترحيباً من قبل رئيسة المفوضيّة، كونه يشكّل مخرجاً للطرفين، بحيث لا يلتزم الإتحاد بالتمويل إلاّ وفق الشروط المتطابقة ومصالحه، ولا يلتزم لبنان بتعهدات لا قدرة له على تحمّل تبعاتها في ظلّ الشغور، والفراغ، وجرح الجنوب النازف.
وكما هنا من يقول: “ليست وظيفة لبنان أن يكون شرطيّاً لأوروبا”، هناك أيضاً من يقول: “وليست وظيفة أوروبا أن تغطي هفوات لبنان”!
* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها *