الإعلام في زمن الإنتخابات: الكلام لـ”الدفّيعة”!

\ فاطمة ضاهر \

اتسمت انتخابات 2022، بأنها جاءت في المرحلة الأكثر خطورة وصعوبة ودقة في لبنان، إثر تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية في البلد، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ما أدى لارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية.

تسارع وسائل الإعلام مجدداً للإلتحاق بالخبر ـ الحدث، بكل تفاصيله، لعلّها تجتذب الجمهور الذي انفض عنها في فترة الانتخابات النيابية، إما بسبب انكفاء الناس، إما لتعارض “الهوى السياسي” بين وسيلة الإعلام وبين المتابع.

قبل شهر، كانت وسائل الإعلام تتعاطى بحذر مع الانتخابات النيابية، على قاعدة ما كان سائداً من احتمال عدم حصولها، وبالتالي البرودة التي كانت تسيطر على حركة القوى السياسية والمرشحين.. وكذلك الناخبين.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، كانت وسائل الإعلام ترفع من وتيرة نشاطها الانتخابي، حتى الأسبوع الأخير قبل موعد الانتخابات، حيث أصبحت الدعاية الانتخابية شغلها الشاغل. مقابلات “مدفوعة” مع مرشحين “مقرشين” و”دفّيعة”، بغض النظر عن جدية ترشيحهم وحضورهم الشعبي. استطلاعات رأي متطايرة ومتغيرة بين ويوم وآخر، و”غب الطلب”. مقابلات مع محللين مرتبطين سياسياً أو يعملون في ماكينات مرشحين. لقاءات مع “متخصصين” بالاستطلاعات سقطوا في الترويج “لمن دفع أكثر”!

… ثم حصلت الانتخابات. 

في يوم الإستحقاق الإنتخابي، تهافت الناس للإقتراع والإدلاء بأصواتهم لمن يرون أنه أفضل من سيمثلهم في البرلمان النيابي ولمن اقتنعوا ببرنامجه الإنتخابي، بغض النظر عن الذين أعطوا أصواتهم لمن قدموا لهم الرشاوى والوعود وغيرها.

في هذا اليوم، كل خبر أو معلومة أو أي إشاعة تتعلق بالانتخابات والنتائج والتحليلات المسبقة، كانت محط اهتمام كل اللبنانيين، الذين شاركوا بالعملية الانتخابية أو الذين امتنعوا عنها.

لذلك برز دور وسائل الاعلام سواء التي تقوم بالبث، مثل الإذاعة والتلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي، كسلطة رابعة، بشكل كبير، حيث تابعها اللبنانيون لحظة بلحظة، لأنها بطبيعة الحال صلة الوصل بين اللبنانيين والوقائع على الأرض، وحققت الوسائل هذه المتابعة عبر نشر مندوبين لها في كافة الدوائر الانتخابية، وقد تنافست وسائل الاعلام في سرعة ودقة الوصول الى الأخبار والمعلومات وسرعة نشرها للجمهور.

وتولّت وسائل الإعلام مهمة إعلام المواطنين بشأن الأحزاب السياسية المتنافسة، وبرامجها، والمرشحين، والإسهام في تشكيل الرأي العام لدى الناخبين، وقيام وسائل الإعلام بإنتاج مواد التوعية للناخبين من جانبها، كبديل أو متمم لأنشطة التوعية من جانب الهيئة الإدارية للإنتخابات.

الّا أن البارز الأكبر كان في يوم الانتخابات، هو استغلال معظم الوسائل الاعلامية للاستحقاق النيابي، لنشر ما يتلاءم مع سياسة الوسيلة، أو بالاحرى، ما يتلاءم مع الحزب أو الفئة السياسية التي تنتمي اليها المؤسسة الإعلامية، لترى بوضوح، إنتماء وتحيز المؤسسة، من خلال نوعية التقارير والأخبار والمعلومات التي تنشرها وتبثها للجمهور.

انتخابات لبنان النيابية في الـ2022، سُجل فيها أعلى مستويات الدفع والموازنات التي صرفت على الحملات الانتخابية في وسائل الإعلام، وخاصة على الـ”سوشيال ميديا”، لأن كلفة الإعلانات والحملات والترويج عليها كانت أرخص من كلفة التلفزيونات التي فرضت على الإطلالات الإعلامية مبالغ باهظة جداً، لذلك لجأت معظم اللوائح بشكل أكبر الى مواقع التواصل الإجتماعي من (تويتر، فيسبوك، انستغرام وغيرها) لبثّ شعاراتها وبرامجها الإنتخابية، بالإضافة الى ميزة الجمهور الواسع والكبير الموجود على هذه المواقع.

أما المثير للجدل في تلك الفترة، أن بعض التلفزيونات “طبّلت وزمّرت” لمرشحين ودعمت قراراتهم ومواقفهم، بعد أن كانت تصفهم بالفساد وتهاجمهم كلما سنحت لها الفرصة. كما لوحظ أن بعض المرشحين سوقوا لأنفسهم بالشعارات والحملات والبرامج والتصاريح على وسائل الإعلام، بطريقة ظنّ البعض أنهم “سيكسّرون الأرض” من كثرة إطلالاتهم الإعلامية وحماسة شعاراتهم، ليتبين وقت فرز النتائج، أن عدد الأصوات التي حصلوا عليها لا تُذكر، وهذا ما يفسّر قدرة صرف المال على موازنات الإعلام في التأثير على نفسيات الجمهور والتضخيم، وإعطاء المرشح أو اللائحة أو البرنامج الإنتخابي أكثر من حجمه.

كما برزت طيلة فترة الإنتخابات، ظاهرة مراكز “الإحصاء”، التي أظهرت مهنية متدنية جداً، حيث معظم الإحصاءات التي قاموا بها ونشروها، لم لم تقترب من النتائج، ما دفع برواد التواصل الإجتماعي للسخرية من هذه المراكز ومن النتائج التي نشروها. وغرد شخص مهنئاً خبيراً إحصائي برز كثيراً في الفترة الماضية، أن الأمرين الوحيدين اللذين صابهما هما: أن الإنتخابات ستحصل في الـ 15 من أيار، وأن النواب الفائزون عددهم 128 نائباً (…)!

https://twitter.com/nationduliban/status/1526714532407681024?s=20&t=02CUQMN307FAhaagHoT_XQ

والشغل الشاغل لوسائل الإعلام طيلة يوم الإنتخابات وما تلاه من فرز النتائج، هو صدمة نجاح أكثر من مرشح لمدة معينة من الزمن، ليعود ويخسر، أو العكس، فقد نشرت بعض الوسائل عن خسارة مرشحين، ليتبين أنهم حصلوا على الحاصل المطلوب لضمان مقعدهم في مجلس النواب. وهذا ما أظهر التسرّع وعدم المهنية والموضوعية والدقة في نشر المعلومات للجمهور، ويظهر تهافت وسباق وسائل الإعلام لنشر الخبر، ناهيك عن صحته، بينما كان من المفترض التروي في نشر الأرقام وعدم اللعب بأعصاب المرشحين والمؤيدين لهم.

وسمحت معظم وسائل الإعلام لنفسها أن تكون مساحة لخطاب الكراهية، والخطاب اللامسؤول، تحت شعار “من يدفع يتكلم”. وسمحت لنفسها أن تنشر معلومات وأخبار ليست دقيقة، ولا تمت للحقيقة بصلة، ونشرت عن الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي قبل التأكد من الأرقام والنسب. بهذه الطريقة، تعمل وسائل الإعلام على نشر القلق والخوف في نفوس المواطنين، أو حتى نشر الطمأنينة في مكان آخر، على أساس معلومات غير صحيحة.

ومثال واضح على انعدام المهنية في نشر المعلومت وتحليلها، هو ما حصل في برنامج “صار الوقت” مع مارسيل غانم عبر شاشة الـ mtv، حيث كان يستضيف الإعلامية ديما صادق، وقد عبروا عن صدمة عارمة عن حصول التيار على 21 مقعداً، عندما قالت صادق: “لا مستحيل” عن هذه النتيجة، ليرد عليها غانم بـ” أنا عندي نفس الصدمة”، وقد ظهرت معالم الصدمة بشكل واضح عليهما.

هذا النوع من الإعلام لا يزال حتى اليوم يتخبّط في نشر المعلومات والحقائق، التي تتناسب مع الفئة أو السياسة التي تنتمي إليها، ليتضّح أن معظم هذه الوسائل اتبعت أسلوب الـ “بروباغندا” و”غسيل الأدمغة” طيلة فترة الإنتخابات، منذ البدء ببث ونشر الحملات الإنتخابية وصولاً لفرز النتائج، وما بعد هذه الفترة.