/ جورج علم /
جرت الإنتخابات النيابيّة وسط ظروف إقليميّة ودوليّة، بالغة التعقيد.
الحوار السعودي ـ الإيراني يسجّل المزيد من الجلسات، دون تسجيل أي من الخطوات الإيجابيّة التي يمكن البناء عليها.
مفاوضات فيينا متأرجحة ما بين الإنتظار في غرفة العناية الفائقة، أو الإنهيار.
الأزمة الأوكرانيّة الى تفاقم، وفي كلّ يوم جديد، هناك فصل جديد من التدخلات، والإرباكات، والمستقبل القاتم.
إسرائيل ليست بأفضل حال. ردود الفعل على اغتيال المراسلة الصحافيّة شيرين أبو عاقلة، كانت قاسية، وأبعد من المتوقع، وعرّى المشهد المتوحّش شعارات “الحريّة، والديمقراطيّة، وحقوق الإنسان” التي تدعيها، من قيمها. إنها في شبه عزلة، تتمظهر بمظاهر القوّة، وعدم الإكتراث، فيما الواقع يعكس ضعفاً، وخيبات، وسوء تقدير وتدبير.
كانت إسرائيل تراهن على التنسيق المسبق مع الروس قبل القيام بأي هجوم على سوريا. اليوم، تبدّل المشهد، هناك أزمة ثقة مع موسكو. هناك لغط حول حقيقة اتصال الرئيس فلاديمير بوتن للاعتذار بشأن تصريحات وزير الخارجيّة سيرغي لافروف حول “الدم اليهودي لأدولف هتلر”، لكن الزجاج انعطب، وتحسب تل أبيب ألف حساب قبل التفكير بأي عمل عدواني ضد سوريا خوفاً من ردّة فعل موسكو الغاضبة.
ويعود الغضب الروسي الى أمرين:
- انحياز الحكومة الإسرائيليّة الى جانب أوكرانيا.
- مشاركة عناصر إسرائيليّة في القتال في صفوف فرقة “أوزوف” المتطرفة، ضد الجيش الروسي!
ولدت الإنتخابات النيابيّة وسط هذه الأجواء المأزومة إقليميّاً، ودوليّاً، وتدثّرت بخطاب تحريضي فتنوي. لم نسمع وعوداً بمعالجة هموم الناس. لم ينبرِ مرشح يصياغة مشاريع حلول لمشكلاتهم مع الكهرباء، والدواء، والغذاء، والغلاء، والبطالة، وأزمة المصارف، ومال المودعين… بل مجرّد مزايدات رخيصة، ووتقاذف إتهامات، وشعارات، حول من يتشبث بالمقاومة ودورها، ومن يطالب بتجريدها من السلاح.
لقد جرت الإنتخابات على قاعدة أن لبنان مجرّد خط تماس ساخن بين محورين متجابهين: الغربي ومن معه، والإيراني ومن معه.
كانت أشبه بنقطة عبور عند خطّ تماس محكم المنافذ، بين مجلس منتهي الصلاحيّة، وآخر منتخب حديثاً، وتقع عليه مسؤولية معالجة ما كان من تركة الماضي، وترسباته. وتكمن المشكلة في أن هذا “الوليد” إنما هو صورة منقحة عن المجلس السابق إن من حيث التحالفات، أو الإصطفافات.
هناك تغيير قد حصل. كتل زادت أحجامها، وأخرى فقدت من أوزانها، ومجتمع مدني يدلف لأول مرّة الى ساحة النجمة بإسم “التغيير”، لكن كل ذلك لا يسمن، ولا يغني عن جوع، طالما أن الوطن لا يزال مجرّد خط تماس بين محورين، وانتماءين، وجبهتين، وخيارين، ومفهومين للكيان ودوره، وللنظام وهويته.
فاز “السياديّون” بكتل وازنة، ربما بسبب الدعم المالي الذي هبط من السماء بـ”قفّة”، أو بسبب الشعارات التي هيّجت مشاعر الناس ودفعت بهم الى صناديق الإقتراع بكثافة. الآن، آن زمن الحصاد، والسؤال البديهي، ما العمل؟ وكيف سيتصرف السياديّون لوضع شعاراتهم موضع التنفيذ؟
وفاز “الممانعون” بكتل وازنة، ورافقهم السؤال الاستراتيجي: إلى متى سيبقى السلاح زينة الرجال؟ وإلى متى سيبقى “المباح وغير المباح مستباحاً”؟
والسؤال الأهم، يبقى في عهدة أصحاب الفخامة، والدولة، والعطوفة، والمعالي، والغبطة، والسماحة، والسيادة الذين أصروا على الإنتخابات، وعلى حتميّة إجرائها في مواعيدها، لإحداث التغيير. فهل حدث التغيير فعلاً، أم انتقل الوطن “من الدلفة، إلى تحت المزراب”؟!
إن الخطاب المسعور، المتشنّج لا ينتج حلاّ. وإن التغيير الذي كان منتظراً قدومه على متن حصان أبيض، قد ضلّ الطريق. وإن الظرف الإقليمي ـ الدولي المأزوم لا يوحي بأن الأزمة في لبنان تتبوأ جدول أعماله، واهتماماته. في الواقع، لقد انتخب اللبنانيون الأزمة، بدلاً من أن ينتخبوا الحل. وانتخبوا للأزمة، بدلاً من ان ينتخبوا حلولاً لها، ويبقى الأمل “مرصوداً” بـ”معجزتين”، على الرغم من أن زمن المعجزات قد غادر منذ زمن:
الأولى: أن يتخلّى الأقطاب عن أنانياتهم، وحساسياتهم، ويرتقون الى مصاف المسؤوليّة التاريخيّة، ويلبّون دعوة سابقة لرئيس الجمهورية حول طاولة حوار وطني، يضعون الأقنعة جانبأ، ويقدمون تنازلات متبادلة للوصول الى توافق وطني حول خريطة طريق لاجتياز المرحلة الإنتقالية، من إنتخاب رئيس لمجلس النواب، وهيئة مكتب المجلس، إلى تفاهم حول الحكومة الجديدة، وبيانها الوزاري، إلى استحقاق رئاسة الجمهوريّة”.
ويبدو أن هذا ضرباً من ضروب الخيال، ويبقى تحقيقه من سابع المستحيلات… لكن عنما تغلّب المصلحة الوطنية العليا عمّا عداها، فكلّ شيء يهون، وكل مستحيل يصبح ممكنا.
الثانية: أن تحصل مفاجأة دوليّة، بمعنى أن الدول التي كانت حريصة على إجراء الإنتخابات في مواعيدها، حريصة أيضاً على أن ترسم بداية حل، بحيث تبادر الى الإمساك بزمام الأمور، وأخذ اللبنانييّن الى مؤتمر حوار وطني، بإشراف الأمم المتحدة، ومشاركة الدول المؤثرة، والمهتمة، لبلوغ تسوية ما للأزمة، أو فرضها فرضاً، كما الطائف، الذي كان يعارضه قسم من اللبنانييّن!