“تكليف” شرعي وسياسي لكل الطوائف.. بلا فاعلية؟

/ خلود شحادة /

اقترع اللبنانيون اليوم في الدوائر الست، بسباق انتخابي ساخن جداً، على وقع منافسة عالية بين اللوائح الانتخابية.

حظيت انتخابات 2022 بخصوصية عالية، إن لجهة اعتكاف الرئيس سعد الحريري، أو لناحية خوض “المجتمع المدني” الانتخابات في كافة الدوائر، بالإضافة الى ارتفاع منسوب “الخصومة” بين القوى السياسية المحسوبة على المقاومة والقوى الأخرى على الضفة المقابلة.

الاهتمام، ليس فقط حول ما ستفرزه الانتخابات من نتائج تخص “عدد المقاعد”. فبحسب الواقع السياسي اللبناني، معروف مسبقاً ما ستفرزه الصناديق. لذلك فإن الاهتمام ينصبّ على نسبة المشاركة في العملية الانتخابية.

نسبة الاقتراع هذا العام، تتأثر بعوامل عدة، منها اعتكاف الحريري الذي دعا جماهيره الى مقاطعة الانتخابات النيابية، مما يؤثر على حضور الصوت السني.

لكن، بالمقابل، دعا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، السنّة، الى التصويت بكثافة والمشاركة في الانتخابات النيابية، في دعوة مضادة لموقف تيار “المستقبل”.

في الشمال، يظهر أن هناك التزاماً جدياً بقرار المقاطعة، وهذا ما ظهر بنسب المشاركة المنخفضة في الاقتراع.

لكن عامل المفاجأة اليوم، كانت نسبة المشاركة في بيروت الثانية، مما يظهر تجاوباً ـ ولو نسبياً ـ مع “التكليف الديني”، الذي أعلنه المشايخ في خطب الجمعة في مساجد بيروت.

على المقلب الآخر، دعا البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة، الى المشاركة الواسعة بالانتخابات النيابية.

دعوة تشبه أساساً اتجاه الأحزاب المسيحية الممثلة في المجلس النيابي، التي تحضرت جيداً لهذا الاستحقاق بمنافسة عالية في ما بينها. في الوقت الذي تشهد مناطق الحضور المسيحي اليوم اقبالاً عالياً على الاقتراع، مسجلة أعلى نسب مشاركة في لبنان.

“التكليف الديني”، الذي تبناه دريان والراعي، انسحب أيضاً على الثنائي الشيعي “حزب الله” وحركة “أمل”، حيث دعا المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان الى الاقتراع حفظاً “لسلاح المقاومة” ودعماً “للنهج”، بحسب قوله.

كما دعا الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله مناصري الحزب للاقتراع بكثافة، بشكل “ودّي”. وإن لم يعلن “التكليف الشرعي” بشكل علني، الا أن ما تشي به الجلسات الخاصة أن “التعبئة الداخلية”، وما تضمنته خطابات نصر الله الانتخابية، هي بمثابة “تكليف سياسي” للمناصرين.

هذا التكليف انسحب أيضاً على مناصري حركة “أمل”، وذلك من خلال حث رئيس الحركة نبيه بري، على ضرورة المشاركة بالانتخابات النيابية لحماية لبنان من خطر “التفكك” و”الفتنة”.

اجتمع الثنائي الشيعي على مبدأ يفيد أن حماية المقاومة وسلاحها، وموقف لبنان الرافض للتطبيع مع العدو الإسرائيلي يكون عبر إيصال نواب “أمل” و”حزب الله” للمجلس النيابي.

هذا التجييش “العقائدي” أدى الى تعديل المزاج الشعبي “الشيعي”. فرغم النقمة التي أصابت هذا الجمهور كما أصابت كل شرائح المجتمع اللبناني، إلا أن معظمهم قرروا الفصل بين الواقع المعيشي المزري الذي وصل اليه لبنان، وانعدام القدرة الشرائية، وبين التصويت لخيار المقاومة.

ربما ما دعّم هذا الموقف لدى الناخبين “الشيعة”، مواقف الأحزاب المقابلة لهم كـ “القوات اللبنانية”، وحزب “الكتائب” وآخرين من الذين جعلوا من “نزع سلاح المقاومة” مادة دسمة في برنامجهم الانتخابي.

كما أن مواقف المرشحين المنافسين للثنائي الشيعي في الدوائر الانتخابية، ساهمت في رفع منسوب التحدي لدى الجمهور.

هذا المشهد في الفترة السابقة لا يحدث “شهقة الصدمة”، لكن القوى التغييرية كانت تأمل بأن يكون الجو مغايراً للعام 2018 بعد ما حصل من تدهور اقتصادي، وبعد أحداث 17 تشرين. الا أن جمهور الثنائي الشيعي أظهر ولاءه المستمر. وشدد على عدم القبول باستقبال أي مرشح من المستقلين خاصة أن معظمهم أظهر عداءه لقيادة الثنائي.

وبين ما تشتهي سفن “التكليف” لدى المرشحين، ورياح “القرار” لدى الناخبين، يبقى الكلام الفيصل لما ستفرزه الصناديق.