| نقولا ناصيف |
مشاركة لبنان في مؤتمر بروكسل كما عدم مشاركته سيّان. لن يعود بما يريد إن ذهب، ولن يغادر النازحون السوريون أراضيه إن قاطع. تنبّه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى عدم جدواه فلم يشأ المشاركة. السيّئ المتوقّع محسوب: توبيخ لبنان على نبرته العالية لا تفهّم وجهة نظره.
أياماً قليلة قبل موعد انعقاد المؤتمر الثامن لـ”دعم مستقبل سوريا والمنطقة” في بروكسل في 28 من الجاري، وصلت إلى المسؤولين معلومات كافية تخطرهم بما يعرفونه سلفاً عما يُنتظر من المؤتمر، وما سيسمعه لبنان في داخله وعلى هامشه حيال معضلة النازحين السوريين على أراضيه. سيتيقن أكثر من ذي قبل أن فرصة إصغاء المجتمع الدولي عبر الاتحاد الأوروبي إليه صمّاء: لا عودة للنازحين إلى بلادهم حتى إشعار آخر.مصدر المعلومات ما أدلى به مسؤول في الاتحاد الأوروبي في لقاء مغلق أفصح فيه عن الموقف المستمر بشقيْه السوري أولاً واللبناني ثانياً، وهو أن الأبواب ستظل موصودة: لا حل سياسياً لسوريا، ولا عودة لنازحيها إليها.
أورد الآتي:
1 ـ يقتضي الأخذ في الحسبان أن المفوضية العليا للاجئين مفصلية. لا خيار سوى التنسيق معها للوصول إلى أي حل، والتوقف عن انتقادها، بل العمل والتعاون معها.
2 ـ عندما التقى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليب غراندي الرئيس السوري بشار الأسد، سمع منه استعداد سوريا لاستقبال مواطنيها النازحين في الخارج. إلا أن الزائر الأوروبي لمس في ما بعد عدم مطابقة ما سمعه منه مع الواقع الحقيقي داخل سوريا، ما حمله على الاستنتاج أنه لا يحبذ عودتهم في الوقت الحاضر. لمس أن الشروط الكريمة والآمنة للعودة غير متوافرة، ومناطق سوريا غير آمنة بدورها. تحقق من أن الوضع يسوء أكثر من ذي قبل، ما يجعل تحقيق شروط العودة مسؤولية سوريا أولاً وأخيراً.
3 ـ ما دام ليس ثمة تغيير في الوضع في سوريا، فلا تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي منها المعلن والمتكرر. عندما سمحت تركيا للاجئين السوريين لديها بالذهاب إلى سوريا لتفقد ممتلكاتهم بعد زلزال شباط 2023 مع إمكان عودتهم إلى تركيا إن هم رغبوا، فإن 93% منهم عادوا إلى تركيا بدعوى أن شروط الحياة الكريمة واللائقة غير متوافرة. كان الاتحاد الأوروبي استفتى عدداً من السوريين في مواقع لجوئهم، كانت إجاباتهم سلبية من العودة نظراً إلى الوضع الأمني والخوف والاعتقال والتجنيد العسكري الإلزامي.
4 ـ حذّر الاتحاد الأوروبي الدول العربية من عواقب عودة سوريا إلى كنف الجامعة العربية بلا شروط. كانت سوريا سلّمت للسعودية وثيقة من 12 صفحة لم تطلع عليها المفوضية الأوروبية. ما استخلصه المسؤول الأوروبي أن دولاً عربية عدة غير مقتنعة بعودة سوريا إلى الجامعة العربية لعدم قيامها بالخطوات المطلوبة منها.
5 ـ ينصح الاتحاد الأوروبي لبنان لدى مشاركته في المؤتمر الثامن باتخاذ موقف متجرد واقعي، وأن ينأى بنفسه عن أي رد فعل شعبوي متناقض. ما لا يعرفه أن موضوع العودة معقّد أكثر مما يعرضه البعض له من حلول مبسطة غير واقعية وغير متاحة في الوقت الحاضر. يطلب السياسيون اللبنانيون تمويل السوريين في بلادهم، يطلبون كذلك المزيد من المساعدات، ويتباكون حينما تقل الموارد المخصصة لما يُعرف بالشبكة الاجتماعية للأمان المرتبطة بهذه المساعدات. الشعور السائد في الاتحاد الأوروبي أن لبنان يمارس نوعاً من الهروب إلى الأمام بعدم مواجهة مشكلاته الأساسية، وهي انتخاب رئيس للجمهورية والإصلاحات الاقتصادية.
في ما حملته المعلومات إشارات سلبية إضافية حيال المنتظر من مؤتمر بروكسل:
ـ قررت الولايات المتحدة عشية انعقاده خفض دعمها له بنسبة 30%، ما يحمّل الاتحاد الاوروبي الوزر.
ـ تصر أوروبا على المضي في الانعقاد الدوري لمؤتمر بروكسل بغية ضمان مشاركتها وانخراطها في إيجاد حل للأزمة السورية، دونما إحراز أي تقدم حتى الآن في هذا الحل. يتمسك الأوروبيون بشروطهم من نظام الأسد بإجراء تعديلات دستورية أساسية وتقديم ضمانات أمنية بإلغاء التجنيد العسكري الإجباري وعدم ملاحقة المعارضين.
ـ ما يطلبه الرئيس السوري لابتزاز المجتمع الدولي برفض إعادة النازحين إلى بلادهم، وهو إلغاء قانون قيصر وإعادة إعمار سوريا شرطاً مسبقاً لعودتهم، لن يدفع الاتحاد الأوروبي إلى أي إعادة نظر في موقفه منه ومن نظامه ومن رؤيته إلى الحل السياسي في سوريا. تالياً لا يسمح بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم قبل تحققه من إبصاره سوريا جديدة في المنطقة. ليس المقصود، ولم تعلن أوروبا مرة أنها تريد إسقاط نظام الأسد. إلا أنها جازمة تريد وتتوقع أن ترى سوريا أخرى ذات يوم.
ـ هبة المليار يورو المقدمة إلى لبنان للسنوات الأربع المقبلة ليست مخصصة للخزينة اللبنانية ولن تودع عندها، بل سيصير إلى تكليف منظمات الأمم المتحدة بالتعاون مع هيئات محلية بتنفيذ المشاريع المخصصة لها، للسوريين واللبنانيين في آن. مؤدّى هذا الموقف أن لا حاجة إلى أي قرار من الحكومة اللبنانية يقبل الهبة أو يرفضها ما دامت ليست لها. ربما هو الموقف الذي أفصحت عنه أخيراً توصية مجلس النواب بعدم التطرق إلى هذا الجانب الأربعاء الفائت، ولا الإيعاز إلى مجلس الوزراء بمناقشة الهبة تلك.
ـ لا يزال القرار الأوروبي الجامع والحازم بأن لا مساعدات مباشرة إلى السلطات اللبنانية وخزينة الدولة قبل إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي طلبها منها المجتمع الدولي. منذ عام 2019، مع انهيار الاقتصاد والنقد، أي دعم أوروبي مباشر للخزينة اللبنانية متوقّف تماماً، وسيظل كذلك إلى حين تحقيق الإصلاحات.