العدو ينفّذ توغّله الأعمق جنوباً: ساعات رعب في أحياء اللاذقية

جريدة الاخبار اللبنانية | الصحف اللبنانية

شارك الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في القمة العربية الطارئة حول فلسطين، أمس، في القاهرة، حيث أجرى سلسلة لقاءات عربية ودولية. ويأتي هذا في وقت تتابع فيه إسرائيل اعتداءاتها على الجنوب السوري، والذي سيطرت على مئات الكيلومترات منه، بما فيها من مرتفعات استراتيجية كاشفة ومنابع المياه العذبة، في إطار تمدّدها على الساحة السورية، والتي تسعى لاستغلال ملف الأقليات فيها، وبشكل خاص وضع الطائفة الدرزية، بهدف تقسيم البلاد، الممزّقة أصلاً، والتي تعيش محافظاتها أزمات أمنية مستمرة على وقع عمليات تنفذها الفصائل التابعة للإدارة السورية الجديدة، بحجة «ملاحقة فلول النظام»، وكان آخرها في حي الدعتور في اللاذقية.

والتقى الشرع ووزير خارجيته، أسعد الشيباني، في القاهرة على هامش القمة – التي تلقّى دعوة إلى حضورها من قبل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي -، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش. كما التقى رئيس المجلس الأوروبي، أنتونيو كوستا، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. وفي وقت تُعتبر فيه مشاركة الشرع في القمة التي دعت إليها مصر للرد على خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتقديم خطة إعادة إعمار بديلة، بروتوكولية، فهي تمثّل إقراراً عربياً جامعاً، وأممياً، بالتغييرات التي حصلت في سوريا، واعترافاً بسلطة الإدارة السورية الجديدة.

ويأتي هذا على رغم بعض التوجس العربي، وتحديداً المصري، والعالمي من الخلفية المتشددة لهذه الإدارة، التي باتت تحكم قبضتها بشكل كامل على مفاصل الحكم في سوريا، باستثناء مناطق «الإدارة الذاتية» التي يسيطر عليها الأكراد، والسويداء الخاضعة لسيطرة الفصائل المحلية، ومنطقة التنف الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة، والمناطق التي تحتلها إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر في الجنوب.

وفي كلمته، كرّر الشرع تأكيده التزام سوريا باتفاقية وقف إطلاق النار الموقّعة عام 1974، والتي تعتبر إسرائيل أنها انتهت مع سقوط نظام الأسد، وطالب المجتمع العربي بالوقوف مع سوريا للتصدي للهجمات الإسرائيلية، و«المجتمع الدولي» بـ«الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي السورية». وأكّد أن «سوريا ستظل داعمة للقضايا العربية العادلة»، معتبراً أن «دعوات التهجير القسري لسكان غزة وصمة عار على الجبين الإنساني».

وفي هذا الوقت، وفي سياق سلسلة اعتداءاتها التي يتذرع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنها تهدف إلى ضمان فراغ الجنوب السوري (الذي يشمل القنيطرة ودرعا والسويداء) من الوجود العسكري للإدارة السورية الجديدة – التي لم تقُم أصلاً بإرسال أي جنود، واكتفت بحضور أمني صوري في بعض المناطق -، توغّلت قوة إسرائيلية شمال درعا بالقرب من قمة تل المال في محافظة درعا. ويُعتبر هذا التوغل الأعمق داخل الأراضي السورية؛ إذ يقع التل على بعد 13 كيلومتراً خارج المنطقة العازلة، والتي احتلتها إسرائيل بعد سقوط النظام السابق. ورافقت هذا التوغل طائرات مُسيّرة ومروحيات حلّقت على ارتفاع منخفض، كما اصطحب القائمون به معهم جرافات قامت بتدمير بعض المقرات العسكرية الفارغة في التل، قبل أن تنسحب في وقت لاحق صباح أمس.

كذلك، تابعت الطائرات المُسيّرة والمروحيات تحليقها بشكل مكثّف في سماء القنيطرة، لليوم السادس على التوالي، في خطوة استعراضية تهدف إلى تأكيد إسرائيل بسط سيطرتها على المنطقة، في وقت بدأت فيه قوة إسرائيلية إزالة ألغام مزروعة على الشريط الحدودي في الجولان السوري المحتل، والذي بدأت إسرائيل محاولات ربط اقتصاده بالأراضي المحتلة، عبر فتح الباب أمام استقدام مزارعين سوريين للعمل في الجولان. وفي تطور جديد أيضاً، اقتحمت قوة تابعة للاحتلال، مصحوبة بجرافات، مساء أمس، قرية عين النورية في ريف القنيطرة الشمالي بالتزامن مع تحليق طيران استطلاع مكثّف في المنطقة.

أما في اللاذقية، التي يشهد ريفها انفلاتاً أمنياً وعمليات قتل وخطف بعضها مرتبط بخلفيات طائفية، فعاش سكان حي الدعتور ساعات طويلة من الرعب بعد اقتحام الحي من جانب المئات من عناصر قوى الأمن العام التابعة للإدارة الذاتية، والذين اصطحبوا معهم آليات ثقيلة بينها ناقلات جند وعربات مصفّحة وأسلحة رشاشة ثقيلة، وقاموا بتنفيذ سلسلة اعتداءات هناك. وجاء ذلك بعد أن تم العثور على عنصرين من قوى الأمن كانا قد اختطفا في وقت سابق، وقيل إن مسلحين يتبعون للنظام السابق يعيشون في الحي قاموا بقتلهما.

وفي هذا الإطار، تفيد مصادر أهلية، «الأخبار»، بأن القوات الأمنية دخلت إلى الحي على وقع إطلاق نار كثيف، وقامت بعمليات تخريب للممتلكات الخاصة واعتقال عدد من السكان، قبل أن تهدأ الأوضاع لبضع ساعات ظنّ خلالها الأهالي أن الأمور عادت إلى الشكل الطبيعي، ليقوموا بإرسال أبنائهم إلى المدارس. غير أن القوى الأمنية تابعت في وقت لاحق ما بدأت به، الأمر الذي تسبّب بحالة رعب كبيرة بين طلاب المدارس.

وفي وقت لا يمكن فيه التأكد من عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم، وعدد المصابين والقتلى جراء هذه العملية، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن شخصين فارقا الحياة، أحدهما يعمل حارساً لمدرسة في الحي، في حين تداول سكان محليون صوراً لطفل يبلغ من العمر 15 عاماً فارق الحياة، وطفل آخر قيل إن إصابته حرجة. وفي سياق متصل، ذكر «المرصد» أن 15 شخصاً قُتلوا منذ بداية شهر رمضان على وقع حالة الفلتان الأمني التي تعيشها سوريا، موضحاً أنه وثّق مقتل «3 أفراد من نفس العائلة في حلب، و4 مصلين في حادثة مؤلمة في ريف حماة، و4 آخرين في جرائم جنائية في عدة محافظات سورية، معظمها لم يُكشف عن هوية الفاعلين أو كانت بدافع السرقة».