الدولة أمام العدوان: فرصة لاستعادة الدور

جريدة الاخبار اللبنانية | الصحف اللبنانية

| علي حيدر |

العدوان الإسرائيلي على بلدتَي النبطية الفوقا وزوطر الجنوبيتين، مساء أول أمس، هو الأول من نوعه بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوماً لانسحاب قوات العدو، وبعد الزحف الشعبي المُقاوِم الذي فرض نفسه كجزء من معادلة الميدان والسياسة. ويمكن التقدير أن العنوان الأول لهذا العدوان هو أنه يجسّد قرار العدو بمواصلة سياسة الاعتداءات الموضعية التي ينتهجها منذ اتفاق وقف إطلاق النار، بما يبدّد أي رهانات على تغيير السلوك العدواني مقابل تمديد مهلة الانسحاب. كما أنه يؤشّر إلى أن هذه السياسة قد تتصاعد، على الأقل خلال الفترة الفاصلة عن 18 شباط المقبل.

يتساوق هذا العدوان، وما قد يليه، مع الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي لجهة الإيحاء بمبررات موضوعية لإبقاء قوات الاحتلال في الأراضي اللبنانية ومواصلة اعتداءاتها، على أمل تحويلها إلى جزء من الروتين اليومي المطلوب من لبنان، رسمياً وشعبياً ومقاومة، التكيّف معه. ويكون العدو بذلك قد فرض عملياً مفهومه للاتفاق.

أما الرسالة الأهم فهي أن هذه السياسة العدوانية تحظى بموافقة الولايات المتحدة ودعمها، وتتكامل مع السياسة التي تنتهجها في الساحة اللبنانية. بل إن الموقف الأميركي يشكّل عاملاً حاسماً في استمرار تعرّض لبنان للعدوان. وهو ما يضع العهد الجديد أمام مسؤوليات تاريخية، وأيضاً أمام فرصة لاستعادة ثقة الشعب اللبناني في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.

تؤكّد هذه المتغيّرات حاجة لبنان إلى المقاومة، وضرورة مراكمة عوامل الاقتدار لمواجهة المخاطر المتعاظمة التي يشكّلها العدو، بدعم أميركي، رغم محاولة البعض حرف الحقائق بإعطاء تبريرات للاعتداءات ولتحييد الدولة عن واجبها بالدفاع عن أرضها وسيادتها وشعبها، رغم أن التزام المقاومة – حتى الآن – بعدم إرباك الوضع السياسي والشعبي، يشكّل فرصة لكي تثبت هذه الدولة مصداقيتها في تحمّل مسؤولياتها في مواجهة العدوان. مع الإشارة إلى أن هذه السياسة التي تتّبعها المقاومة قد لا تستمر بالضرورة.

ومن المؤكد أنه، في محطة ما، قد ترى المقاومة أن الوقت حان للمبادرة إلى «إفشال أهداف العدو وحفظ أمن لبنان وسيادته ومصالحه». واستناداً إلى تجارب سابقة، عادة ما يكون مثل هذا القرار مفاجئاً للعدو وللمتربّصين بعد أن يستنفدوا شعاراتهم وتشكيكهم. كما أن التحديات المستجدّة تشكّل أرضية وفرصة لتكامل المقاومة، بنيةً وشعباً، مع جهود الدولة ومؤسساتها لحماية الوطن.

كذلك أتى العدوان الإسرائيلي في منطقة النبطية في سياق ضغوط العدو الميدانية على شعب المقاومة وقيادتها، بعدما أربك زحف الأيام الأخيرة رهاناته على أن الحرب وما رافقها من مجازر قد تثني هذا الشعب عن تكرار سابقتَي التحرير في عام 2000، والانتصار في عام 2006. وأهمية العامل الشعبي في هذه المرحلة أنه أتى في سياق متغيّرات سياسية داخلية وإقليمية غير مسبوقة، وأظهر تكاملاً مع الدور العسكري للمقاومة خلال الحرب، واحتفاظها بجهوزية تمكّنها من مواجهة أي متغيّرات دراماتيكية.

على هذه الخلفية، انطلقت في لبنان حملة سياسية وإعلامية تحريضية ضد زحف شعب المقاومة، تارة بالتباكي على الشهداء، وأخرى بأنها حركة عديمة الجدوى، وثالثة بالدعوة إلى عدم إنكار الوقائع! في حين أن منطقهم هذا يقوم على تجاهل وقائع ويركّز على أخرى حصراً. ويبدو واضحاً أن حدّة هجمات خصوم المقاومة في الداخل ناتجة عن حجم المفاجأة والصدمة من صمود شعب المقاومة في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، وعن صور التحدّي والتصميم التي طبعت هذا الحراك.

وينبغي في سياق فهم ردود فعل خصوم المقاومة، في الداخل والخارج، عدم إغفال وقع الزحف الشعبي على تقديراتهم ورهاناتهم، أضف أنه أتى بعد حملات سياسية وإعلامية لزرع الإحباط والشعور بالهزيمة في وعي بيئة المقاومة، متجاهلاً الصمود الأسطوري للمقاومة وبيئتها رغم الضربات التي تلقّتها، وبدء مسار التعافي خلال الحرب، ما كانت له آثاره على الميدان الحدودي ووسط كيان العدو.

لذلك، ليس من المبالغة التقدير بأن الحملة التحريضية نبعت تحديداً من إدراك هؤلاء الخصوم لمفاعيل هذا الشكل من المقاومة على المخطط الأميركي، بما يبدّد الأوهام التي يريدون زرعها في الوعي العام، ويُظهر أن المقاومة لا تزال تملك عناصر الاقتدار التي تُمكِّنها من مواجهة المخاطر. أضف أن التحركات الشعبية أظهرت أن بيئة المقاومة لا تزال ملتفّة حولها، بل أصبحت أكثر اندفاعاً وعزماً.

وعليه، يبدو أن أكثر ما أقلق أعداء المقاومة في الخارج وخصومها في الداخل أنهم رأوا في هذه المحطة – محقّين – مؤشراً إلى قرار ومسار بمواجهة التحديات والمخاطر، وليس حالة انفعالية عابرة، بل تجسيد لخيار استراتيجي يكون فيه شعب المقاومة ركناً أساسياً من المعادلة التي تتبلور بالتراكم، كما كان له دور مفصلي في إحباط الأهداف الاستراتيجية للحرب الإسرائيلية – الأميركية.