| جورج علم |
السيادة اللبنانيّة مرتبطة بزواج مع القرارات الدولية، لا طلاق منه، فإما تطبيق، أو دوران في حلقة الموت والدمار.
تحاك المظلّة الأمنية في الجنوب بصنّارة أميركيّة، وخيطان أمميّة ـ دوليّة.
كانت البداية في 17 أيار 1983، عندما تمّ التوصل إلى “الإتفاق الثلاثي” بين الحكومة اللبنانية، والولايات المتحدة الأميركيّة، و”إسرائيل”.
أسقط يومها مجلس النواب اللبناني ذلك الإتفاق، بفعل ضغوط داخليّة، وأيضاً إقليميّة، وتحت وطأة المعارضة السوريّة الفاعلة، والمؤثّرة آنذاك. لكن واشنطن، وتل أبيب إحتفظتا ببندين وردا في متنه.
الأول: إنشاء منطقة أمنيّة داخل الأراضي اللبنانية تتعهّد الحكومة اللبنانية بأن تنفّذ ضمنها الترتيبات الأمنيّة المتفق عليها بملحق خاص بالإتفاق.
والثاني: تكوين لجنة أمنيّة لبنانيّة ـ أميركيّة ـ إسرائيليّة تقوم بالإشراف على تنفيذ بنوده.
هذه “الثلاثيّة” لا تزال حاضرة اليوم في اللجنة الأمنيّة الخماسيّة المشرفة على تطبيق وقف إطلاق النار في الجنوب، والتي تضمّ أيضا الأمم المتحدة، وفرنسا.
وإنطلق قطار التطورات من تلك المحطة، وأكمل سيره نحو حرب تموز 2006، التي إنتهت بصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي في 12 آب من ذلك العام، وتضمّن بنوداً عدّة لتمكين الدولة اللبنانية من بسط سلطتها وسيادتها، أبرزها:
• نزع سلاح جميع الجماعات المسلّحة في لبنان.
• لن تكون هناك قوات مسلّحة غير “اليونيفيل” والجيش اللبناني، جنوب نهر الليطاني.
لم تحترم “إسرائيل” الإتفاق، وكثّفت خروقاتها الجويّة، والبحريّة، والبريّة للسيادة اللبنانيّة، كما إستفاد “حزب الله” من هذا الخرق، وإنصرف إلى تعزيز جهوزيته، ونفوذه.
ومع إنخراطه في دعم “حماس” وقطاع غزّة، بعد “طوفان الأقصى”، وصل إلى بيروت وزير خارجيّة بريطانيا ديفيد كاميرون في شباط 2024، وبحث مع المسؤولين “تعميم نموذج أبراج المراقبة على الحدود الجنوبيّة لضمان تنفيذ وإحترام القرار 1701، ومراقبة أي مظاهر مسلّحة على الجانبين في عمق معيّن، على أن تكون تحت إشراف القوات الدوليّة (اليونيفيل)”.
وكان وفد عسكري بريطاني ـ أميركي قد استبق هذه الزيارة إلى تل أبيب، وحمل معه إلى بيروت مشروع إقتراح يقضي بنشر قوات من “اليونيفيل” في: تلّة اللبونة، وتلّة العزيّة، وتلّة جبل البلاط، وتلة جبل عيترون (الباط)، وتلّة العويضة.
وتولّى فريق بريطاني من الجيش والإستخبارات مناقشة التفاصيل مع الجيش اللبناني. ووفق تقارير دبلوماسيّة فإن الحكومة البريطانيّة طلبت يومها إنجاز وضع جديد على الأرض، وأنها مستعدة لتقديم الدعم الميداني المباشر كي يقيم الجيش اللبناني تحصينات خاصة، ومراكز لعشرات المواقع المنتشرة قبالة الحدود، على أن تكون ثابتة.
واشترط الإسرائيليّون يومها، أن تبعد فعليّاً عن الحدود بمسافة لا تقل عن الكيلومتر، في الوقت الذي كانت مواقع جيش الإحتلال لا تبعد عن “الخط الأزرق” أكثر من 100 متر.
وقال البريطانيّون إنهم خصّصوا موازنة كبيرة لتحصين هذه المواقع بما يمنع تعرّضها لأي إعتداء، على أن يتمّ بناء منظومة مراقبة أمنية داخلها على شكل كاميرات أكثر تطوّراً من تلك الموجودة الآن على أبراج منتشرة على طول الحدود مع سوريا.
والخلاف الذي حصل يومها أن الجيش اللبناني أصرّ على أن تكون وجهة الكاميرات نحو عمق فلسطين المحتلة، في حين أن الإسرائيلي أصرّ على أن تكون وجهتها العمق الجنوبي.
… والآن، ماذا يدور في الكواليس؟
• موقف لبنان الرسمي واضح، وثابت، إنسحاب “إسرائيل” من كامل التراب اللبناني في 18 الجاري.
• وزير الشؤون الإستراتيجيّة الإسرائيلي رون ديرمر يؤكد على أن تل أبيب تريد أن تحتفظ بنقاط خمس عالية داخل لبنان بعد إنتهاء مهلة وقف إطلاق النار 18 الجاري. ولفت في مقابلة مع وكالة “بلومبرغ” إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي “سيعيد الإنتشار في هذه االمواقع الخمسة حتى ينفّذ لبنان إلتزاماته بموجب المعاهدة”، وأن “القوات الإسرائيليّة لن تُسحب في الأمد القريب”.
• وزير خارجية فرنسا جان نويل ـ بارو قال “إن فرنسا قدّمت حلاًّ من أجل الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان يشمل نشر بعض وحدات اليونيفيل، منها وحدة فرنسيّة، في الأماكن التي تريد إسرائيل البقاء فيها”. وأكدّ أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “وافق على الإقتراح، ولكن إسرائيل لم تجب بعد”.
• تسعى لندن إلى إحياء الإقتراح الذي طرحه ديفيد كاميرون في العام الماضي حول بناء أبراج مراقبة على التلال الإستراتيجيّة، تكون بإشراف “اليونيفيل”. هدف الحكومة البريطانيّة إكمال سلسلة الأبراج على مدى الحدود اللبنانية ـ السورية، والحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلة، إنطلاقاً من منطقة العريضة شمال لبنان، إلى ما بعد راشيا في الجنوب الشرقي، ويقدر عددها بـ39 برجاً، بينها أبراج محمولة ومتنقّلة، يوفّر كلّ منها رؤية بنصف قطر 360 درجة، لمسافة تتراوح حتى الـ20 كيلومترا.
وفي تقرير لصحيفة “ديلي تلغراف” نشر أواخر تشرين الثاني 2014 بعنوان “الدور البريطاني السرّي في وقف مذبحة داعش في لبنان”، تحدّث عن فرقة بريطانيّة سريّة عملت في تموز 2014 بسرعة، وجهود ضخمة لبناء أبراج على حدود لبنان مع سوريا لوقف التمدّد الإرهابي.
وبعد نشر التقرير الصحفي، أصدرت السفارة البريطانيّة في بيروت توضيحاً كشفت فيه أن “الحكومة البريطانية أسهمت بـ273 مليون دولار من المساعدات للجيش اللبناني، جاءت على شكل آليات، وعتاد عسكري، وشبكة إتصالات لاسلكيّة”.
وتبقى الحركة الدبلوماسيّة ناشطة لتحديد مواصفات اليوم الذي يلي 18 الجاري في الجنوب: هل سيكون الإنسحاب ناجزاً، أم أنه إنسحاب مشروط بـ”أبراج”؟














