الأربعاء, ديسمبر 24, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSlider"الإزدواجيّة".. لا تبني علاقات نديّة!

“الإزدواجيّة”.. لا تبني علاقات نديّة!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| جورج علم |

لا هي حكاية طائرة، ولا حادثة عابرة، بل سنوات عجاف من الجفاف في شرايين العلاقات بين لبنان وإيران.

الطبّ الدبلوماسي يشخّص المرض. إنه “فيروس الإزدواجيّة”. كانت طهران تتعاطى مع بيروت كإمتداد نفوذ، وسيطرة، من دون أن تنزع عنها الصفة الرسميّة كعاصمة للجمهوريّة اللبنانيّة. سنوات طوال من العجاف السياسي. كان المسؤول الإيراني يأتي بصفة “المندوب السامي”، مهمته الفعليّة محصورة بالضاحية الجنوبيّة، فيما مهمته الإستعراضيّة مقتصرة على المسؤولين، صورة، وإبتسامات، وتصريحات أشبه برشقات ناريّة تترك دوّياً نافراً.

منذ سنوات يتحدّث المسؤول الإيراني عن بيروت كواحدة من عواصم عربيّة أربع يتحكّم بقرارها. ما كانت تنقصه الشجاعة ليبوح ويتغنّى بالأمجاد التي حقّقها وكيله الحصري، بقوّة السلاح، في الوطن المستباح.

تغيّرت المعادلة بعد “طوفان الأقصى”. فاض نهر الحسابات الخاطئة، والرهانات المضمرة، وأخذ بطريقه الكثير من الأوهام والأحلام. لم تعد غزّة اليوم كما كانت من قبل، ولا الجنوب كما كان قبل الحروب، ولا البقاع على فائض من الإتساع. دمّرنا العشق للسيف، وإذ بالثعالب تتفوّق على النواطير، وتعبث بالكروم، وتجفّف عناقيدها حتى الرمق الأخير.

لم يندمل الجرح بعد. هناك كلام كثير فوق السطوح، وتحتها، عن تفاهمات، وقرارات، وإنسحابات، ومعالجات، وتسويات، وعن عهد جديد، ووعد وعيد، لكن “فيروس الإزدواجيّة” لا يزال يفعل فعله، لا هو يتقبل العقاقير العلاجيّة، ولا يمكن إستئصاله بعمليّة جراحيّة، فكان الحديث عن الطائرة ليطير بالحاجزين المحتجزين إلى رهانات أخرى، على قاعدة “ليس المهم ما وراءنا، وما خلّفنا من كوارث ومآسي.. المهم ما أمامنا، وكيف يمكن الوصول مرّة أخرى إلى الأكمة، بعد هذا الإنحدار العنيف؟”.

قبل موعد الإقلاع، كانت هناك أسئلة وحسابات، وبعدما تأخر الموعد، طفرت أسئلة وحسابات.

كانت هناك طائرة قبل أسابيع حطّت في مطار رفيق الحريري، وطاف الحديث يومها عن تفتيش طاول حقيبة دبلوماسيّة عائدة للسفارة الإيرانيّة، فلماذ لم يفتح الباب وسيعاً آنذاك، على واقع العلاقات المفخّخة، “المفوخرة”، وتقال الأمور كما هي، وتنكشف كل الأوراق المخفيّة، وتتمّ المصارحة بكل الهفوات، والثغرات، والعيوب، والشوائب، لوضع العلاقات على السكّة المؤديّة نحو الإتجاه الصحيح؟ لماذا إستمرّت المراوغة، والمسايرة، ونوبات تبويس اللحى، والضحك على ذقون الناس، ومصالحهم؟

إن اللامسؤوليّة التي عالجت قضيّة الطائرة الأولى، أدت إلى إستنساخ طائرة ثانية.. وربما ثالثة.. والمزيد من القفز فوق “الحيط الواطي”!
وبعد أن جرى ما جرى، هناك “بقجة” من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة مقنعة في هذا المقلب الصعب.

لماذا مُنعت الطائرة من الإقلاع.. فالهبوط؟ هل لأن العدو الإسرائيلي أنذر، وهدّد؟

إذا كانت الرواية صحيحة، فهذا يعني أن السرديّة طافحة بالعيوب والنواقص، ولسان اللجنة الأمنيّة يقول، كان بالأحرى إستقبال الطائرة، وإخضاعها إلى تفتيش دقيق، حتى بإشراف “سكانر” من المصداقيّة، لوضع حدّ لكل تأويل أو تعليل، لكن أن يكون الرفض نتيجة التهديد، فهذا يعني فتح الباب وسيعاً أمام المصطادين بالماء العكر، لزيادة التعكير على العهد الجديد؟

والسؤال الآخر، لماذا تزامن المنع مع إقتراب موعد 23 الجاري، التاريخ المحدد للتشييع الكبير؟ هل لمنع وصول آلاف الإيرانيّين إلى الضاحية للمشاركة؟ وتتحدث الروايات عن أرقام ربما تحاكي المبالغة؟ هل المنع قد حصل نتيجة شبكة إتصالات حاكتها أجهزة إستخبارات متشعّبة لمنع مدّ “الإزدواجيّة” المتهالكة، بأمصال منشّطة، كي تملي شروطها على العهد وخطاب القسم؟

السؤال الثالث: لماذا فُتحت هذه الثغرة ما بين المطارين الإيراني واللبناني في زمن الإستحقاقات الكبرى، المتصلة بوضع قرار وقف إطلاق النار موضع التنفيذ، وإنسحاب جيش الإحتلال، وإنتشار الجيش بالتنسيق والتعاون مع قوات “اليونيفيل”، وتهيئة الظروف، والأجواء للمباشرة بتطبيق القرار 1701؟
ليس هناك من جملة مفيدة يمكن البناء عليها سوى التزامن ما بين هذه الفرضيّة، وفرضيّة الإعتداء على عناصر “اليونيفيل” على طريق المطار!

في مطلق الأحوال، تبقى الخلاصة ولاّدة شؤون وشجون لا تنتهي طالما أن النوايا لم تعد مجهولة المصدر، ولا مجهولة الأهداف المروّسة التي تغرف من معين السيادة.

وتندرج أمام الخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة التي لعبت دور “القابلة” لولادة العهد الجديد تحديات خمسة:

ـ الأول، إنه زمن دونالد ترامب الذي دفع بالعالم لأن يقف على رجل واحدة يصغي إلى إملاءاته، وجوائحه، ومغامراته.
ـ الثاني، إن الشرق الأوسط، ولبنان ضمناً، تحت تأثير “الإعصار الترامبي ـ الإسرائيلي”، والمسألة لا تقتصر على نزوات وأمنيات، بل على مصير مهدّد بالكتل المزلزلة المدمّرة.
ـ الثالث، التحوّل الكبير في العالم العربي أمام التيار الأميركي ـ الإسرائيلي الجارف. تحوّل تجاه حركة “حماس” التي يطالبها أمين عام جامعة الدول العربيّة بالتنحي إنقاذاً للقضيّة الفلسطينيّة. وتجاه المدّ الإيراني في العواصم الأربع. وتجاه ما يحاك للشرق الأوسط والعالم العربي من مشاريع إحتوائيّة.
ـ الرابع، أن “حزب الله” يريد الحفاظ على إستمراريته، وهذا حقّه. لكن لا يمكن ضمان هذه الإستمراريّة بأساليب فاقدة الصلاحيّة، وأسلحة مجرّبة. لا يمكنه أن يبقي لبنان أسير مقطورة يجرّها قطار “الحرس الثوري”. أهميّة الحزب بإستمراريته. وإستمراريته مرهونة بقدرته على التعايش مع الواقع الجديد، والإنتظام الجديد. والمناخ العربي ـ الإقليمي ـ الدولي الجديد.
ـ الخامس، إن ترك الساحة اللبنانيّة مفتوحة أمام صراع المحاور يعني القضاء على الخصوصيّة اللبنانيّة بكامل أبعادها الوطنيّة، والسياديّة، والثقافيّة.
هناك فرصة متاحة أمام اللبنانييّن لإعادة إحياء وطنهم من الرميم، فهل تنتصر الإرادات الخيّرة.. حتى لا يتحوّل ما تبقى إلى رميم؟

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img