| خاص ـ “الجريدة” |
لم تنجح الجهود التي بذلها الرئيس السوري بشار الأسد في تأمين دعم خارجي كافٍ للمواجهة مع المعارضة، فقرّر تسليم سوريا بشكل تدريجي إلى فصائل المعارضة، منعاً للفوضى، وكانت قوات الجيش السوري تنسحب تباعاً من المدن الرئيسية وتتفادى الاشتباك، بدءاً من مدينة حلب إلى مدينة حماة إلى حمص.. وصولاً إلى دمشق.
عندما بدأ هجوم الفصائل المسلّحة تحت عنوان “ردع العدوان”، سافر الأسد إلى موسكو، وربما جاء سفره بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث اكتشف أن روسيا منشغلة بالحرب مع أوكرانيا، وربما سمع من بوتين ما يوحي بأن تسوية ما تقضي بتغيير في سوريا.
عاد الأسد من موسكو، وأجرى اتصالات بعدد من الدول العربية، بدءاً من رئيس دولة الإمارات العربية محمد بن زايد الذي كان أول المنفتحين على الأسد بعد المقاطعة العربية له. كما اتصل بالسعودية ومصر والعراق وإيران، لكنه خرج خالي الوفاض من هذه الاتصالات، وفقًا لما يؤكده دبلوماسيون عرب اطلعوا على المناقشات.
لم يسمع الأسد ما يريحه، وشعر أن الأمور ليست في صالحه، وأن أحداً غير متحمّس لنجدته، حتى أقرب حلفائه.
وهنا شعر الأسد أنه ربما تعرّض لخديعة عندما تجاوب مع النصيحة العربية له بعدم المشاركة في إسناد غزة وفتح جبهة الجولان، واكتشف أن تسوية كبرى قد حصلت على رأسه، وأن قرار الإطاحة به قد اتخذ بعد أن غسل الجميع يده منه.
حتى روسيا، شاركت بداية بتوجيه ضربات جوية محدودة.
لم يسمع الأسد من حليفه الإيراني كلاماً مطمئناً، خصوصاً عندما تبلّغ من وزير الخارجية الإيراني أن لا إمكانية لإرسال قوات جديدة إلى سوريا، بل على العكس، سحبت إيران القيادات العسكرية من سوريا.
لم يلمس من “حزب الله” حماساً للقتال، بل على العكس، كان هناك فتور يسود العلاقة، خصوصاً بسبب تجنّب الأسد فتح جبهة الجولان والذي تسبّب في تفكيك “وحدة الساحات”، وعدم تقديمه دعماً ملموساً للحزب في الحرب مع العدو الإسرائيلي.
أرسل الأسد وزير خارجيته إلى بغداد يوم الجمعة، في محاولة أخيرة لتجنيد المزيد من الدعم، لكنه سمع “اعتذاراً مهذّباً” من الحكومة العراقية. وسمع أن “الحشد الشعبي” في العراق لن يرسل قوات إلى سوريا.
تفرّق بعض المسؤولين السوريين الذين كانوا يقفون إلى جانب الأسد إلى مصر وروسيا والإمارات، ولم يظهر الأسد علنًا منذ أيام.
الدائرة المقربة من بشار الأسد، اختفت ببساطة، غيّر هؤلاء أماكنهم وغيروا أرقام هواتفهم. لم يعودوا يتواصلون مع أحد.
اتخذ الأسد القرار ضمنياً بعدم القتال، وتسليم المدن تباعاً، بخلاف ما حصل في العام 2011 عندما واجه تظاهرات المعارضة بداية، ثم واجه المعارضة المسلّحة لاحقاً التي وصلت إلى تخوم العاصمة دمشق، واستعاد زمام المبادرة واستعاد السيطرة على مناطق واسعة من سوريا.
غاب الأسد بالصورة والصوت عن المشهد المتدحرج، وكانت قوات المعارضة تتقدّم نحو دمشق من دون أي مقاومة، مما أوحى أن شيئاً ما يحصل. كانت وحدات الجيش السوري تتلقّى التعليمات بإخلاء مراكزها كلما تقدّمت نحوها فصائل المعارضة. تفادى الأسد إقحام الجيش في المواجهة، لأنه كان يدرك أن قرار الإطاحة هو “قرار دولي”، وأن لا أحد يريد الدفاع عنه، ففضّل تفادي حصول حمام دم في معارك يخوضها لوحده هذه المرة.
ليلة السبت، لم تُعرف أماكن وجود الأسد وباقي الشخصيات البارزة في النظام.
تردّد أنه سيوجه خطاباً للشعب السوري مساء السبت، لكنه لم يظهر وتم نفي نيته توجيه خطاب ربما كان ذلك نتيجة ارتباك، أو ربما كان ذلك نتيجة خلاف في الدائرة الضيقة حول الأسد.
مساء السبت، قرّر الأسد المغادرة بهدوء. استقل طائرة من مطار دمشق الدولي، وبضمانات دولية، غادر العاصمة السورية إلى شمال سوريا، وعلى الأرجح إلى القاعدة العسكرية الروسية في حميميم، حيث انتقل بعدها إلى روسيا ليلتحق بعائلته التي سبقته قبل نحو أسبوع.
للانضمام إلى مجموعات “الجريدة” إضغط على الرابط
https://chat.whatsapp.com/GsVKY7K10Ps5CnREsooVzZ