| جورج علم |
تنصرف إيران لإحتواء العقوبات الأميركيّة ـ الأوروبيّة ـ الغربيّة الجديدة. تدرس نوعياتها، والتبعات. تعدّ سلّة من الخيارات للمواجهة، يتقدّمها الحوار، والإستعداد لتقديم تنازلات بهدف الوصول إلى تفاهمات حول مكانتها ودورها في الشرق الأوسط الجديد.
أقدمت حتى الآن على خطوات تمهيديّة:
الأولى ـ إعلان وزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان رسميّاً بأن طهران لن ترد على الضربة الإسرائيليّة في أصفهان. وهذا يعني الإستجابة للطلب الأميركي بوقف التصعيد. والإيحاء لواشنطن مدى الرغبة بتفعيل القنوات الدبلوماسيّة كي تكون بديلاً من الإستمرار بالضغط على الزناد.
الثانيّة ـ تفعيلها شبكات البحث والتقصّي في العواصم الغربيّة التي أعلنت عن حزمة جديدة من العقوبات، بهدف التأكد من جديّتها، والسعي إلى التخفيف من وطأتها من خلال الحوار.
الثالثة ـ الإجتماعات المكثّفة التي عقدها ضباط في “الحرس الثوري الإيراني” مع قادة “الأذرع”، سواء في لبنان، أو سوريا، أو العراق، أو اليمن، بعيد الإعلان الرسمي عن عدم الردّ. واحترام قواعد “وقف التصعيد” التي أملاها الأميركي على الإسرائيلي والإيراني.
لم تتوافر معلومات دسمة حول طبيعة تلك الإجتماعات، إلاّ أن وكالة “رويترز” سرعان ما نشرت خبراً يفيد بان طهران قرّرت تخفيض وجودها العسكري في سوريا.
قد يكون الهدف من التخفيض تلافي الغارات الإسرائيليّة، والتقليل من أكلافها الباهظة، والموجعة. كما قد يدخل في سياق السياسة الخارجيّة الجديدة الهادفة إلى خفض التوتر، وفتح أبواب الحوار مع الولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي.
الرابعة ـ لم تعد “حماس” في رأس قائمة الإهتمام لدى القيادة الإيرانيّة، ولا القضيّة الفلسطينيّة، بل المصالح العليا. لم يكن “طوفان المسيّرات” على “إسرائيل”، لدعم “حماس”، أو الثأر لغزّة. وقطعاً، لم يكن لتحرير طريق القدس، بل ردّاً على الضربة الإسرائيليّة للقنصليّة الإيرانية في دمشق. هذا يعني أن القيادة الإيرانيّة تفصل تماماً بين ما يتعلق مباشرة بمصالحها، وما بين الأدوار التي تنفّذها جبهات المساندة، من جنوب لبنان، إلى اليمن.
الخامسة ـ إن إيران خرجت من إنتخابات عامة، لم تتعدّ نسبة الإقبال الـ41 في المئة. هذا يعني أن نسبة المقاطعة مرتفعة، وأن الوضع الإقتصادي ـ الإجتماعي ـ المعيشي يواجه تحديات، ويترك تبعات موجعة على الفرد، والأسرة، ومتطلبات العيش الكريم. يحصل كل هذا قبل العقوبات الجديدة، فكيف سيكون عليه الوضع الداخلي بعيد حصولها؟
المؤكد أن سلطنة عمان لم تقفل قاعة الحوار الأميركي ـ الإيراني. الباب لا يزال مفتوحاً، وهناك مسلسل، وحلقات متواصلة.
الجديد أن هناك تحديات طارئة خلّفها “طوفان المسيّرات”، وخيارات ضيّقة، وتحديات جديّة تفرض بلوغ القاعة، والجلوس إلى الطاولة، وفتح كامل الملفات، والتفاهم على خيارات تؤمن للجميع النزول من أعلى الشجرة إلى أرض الواقع، من دون حصول إرتطام قاتل.
الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي شاركت الولايات المتحدة في التصدّي للمسيّرات الإيرانيّة قبل أن تبلغ أهدافها في كيان الاحتلال الإسرائيلي، دخلت على الخط، تريد مكاناً حول الطاولة عندما يبدأ الحوار جديّاً.
تطمح بريطانيا إلى دور تلعبه على الجبهة الفلسطينيّة، في غزّة والضفة الغربيّة، يشكّل إمتداداً لدورها التاريخي المرافق للقضيّة منذ نشأتها. لم تستخدم حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي مؤخراً عندما طرح مشروع عضويّة الدولة الفلسطينيّة. ولديها ما تسعى إلى تسويقه، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لإقناع “التطرف الإسرائيلي” بأن عدم وجود دولة فلسطينيّة يعني عدم وجود إستقرار في الشرق الأوسط، بل حروب متناسلة، ونزاعات مستمرة.
وتطمح ألمانيا إلى دور تريده، عندما تبدأ ورشة إعادة الإعمار في قطاع غزّة. مهمتها تقتصر الآن على تأمين المساعدات الإنسانية، وفتح المعابر، ومواكبة مسار التحضيرات لـ”اليوم التالي”، عندما يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والوقوف على تفاصيل ما يجري في الأروقة الأوروبيّة حول “الدولة الفلسطينيّة”، والمناخ السائد في عواصم العديد من الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، حول مواصفات هذه الدولة.
فرنسا، عينها على لبنان. تريد منه شرفة مستقرة تطلّ من خلالها على دول الشرق الأوسطـ، والخليج، للسهر على مصالحها، وتفعيلها. يعود وزير الخارجيّة ستيفان سيجورنيه ثانية إلى بيروت حاملاً الورقة الفرنسيّة التي يقال بأنها معدّلة أميركيّاً.
تواجه مهمته تحديات أربع:
• هل تمكّنت باريس من إنتزاع دور من الولايات المتحدة يتطابق والمواصفات التي تريدها في لبنان؟
• هل هي قادرة فعلا على فصل جبهة الجنوب عن جبهة غزّة، لكي تبدأ ورشة الترتيبات الأمنية، وتنفيذ كامل مندرجات مبادرتها؟
• هل هي متمكّنة من إقناع إيران بتدوير زواياها، والدخول في حوار جدّي حول مواصفات اليوم التالي في لبنان، لكي تسري أمصال التهدئة والتسوية في العروق اللبنانية الجافة؟
• هل أمّن سيجورنيه تأشيرة خليجيّة ـ عربيّة ـ إقليميّة لمبادرته، تحظى بدمغة سعوديّة، مصريّة، قطريّة ـ (الأعضاء في الخماسيّة) ـ كي يتمكن، و”مبادرته”، من الدخول إلى الفراغ اللبناني، والإنتقال من التنظير إلى التدبير والتقرير؟
إن “وقف الإشتباك” بين إيران و”إسرائيل”، وفّر فرصة، وفتح نافذة أمام التحرّك الفرنسي، لكن الصعوبات قد تبدّد الطموحات… المهم أنه عندما تصل “الزفّة الفرنسيّة” إلى بيروت سليمة معافاة، عندها يمكن تحديد المواعيد، والبدء بإحتفالات عقد القران ما بين الدستور، والمؤسسات الرسمية التي ينهشها الفراغ، والتصدع!
* الآراء الواردة في المقالات تعبّر عن رأي كاتبها ولا يتحمّل موقع “الجريدة” أي مسؤولية عن مضمونها