سلام من أوكرانيا.. سلام في غزّة!

| جورج علم |

الطقس عاصف في الشرق الأوسط، وزخات المطر تهطل قنابل وصواريخ على القضيّة الفلسطينيّة، وتزرع أطفال غزّة في تربة لم يعشقوا سواها.

وسط هذه الأجواء المظلمة، والظالمة، إلتأمت القمّة الأميركيّة ـ الصينيّة. تمنّى الرئيس جو بايدن على “صديقه اللدود” شي جينبينغ إستغلال نفوذ الصين لدى إيران “للمساعدة في ضمان ألاّ تمتد حرب إسرائيل ضد حماس إلى مناطق أوسع في الشرق الأوسط”.

ويؤكد مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجيّة في واشنطن جون ألترمان “بأن الصينيّين لديهم مصلحة بمنع مواجهة أميركيّة ـ إيرانيّة لأنها سترفع أسعار النفط، وهم مستهلكون كبار له”.

الشرق الأوسط ليس البند الوحيد، كانت هناك ملفات أكبر، وأكثر تعقيداً على الطاولة، لكن حرب غزّة كشفت الفروقات في المواقف، وبيّنت مدى التباعد في الرؤى ووجهات النظر. أدانت وزارة الخارجيّة الصينيّة استهداف المدنيّين، في الوقت الذي توجّه فيه الرئيس بايدن إلى تل أبيب ليتعاطف، ويقدم الدعم اللامحدود. وأعربت الصين مجدداً عن قلقها جراء التصعيد، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس، فيما أكد الرئيس بايدن دعم بلاده “للعمليات العسكريّة الإسرائيليّة دفاعا عن النفس”. ودعت الصين إلى عقد مؤتمر دولي عاجل لحل القضية الفلسطينيّة، محددة موقفها بأن “حل الدولتين هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي”، فيما أكدت واشنطن بأن الأولوية هي لإطلاق الأسرى، وإضعاف “حماس”، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، بعده سيكون كلام آخر…

ما تخشاه الإدارة الأميركيّة إنفلات “الشرق الأوسط الجديد” من قبضتها الفولاذيّة، ليصبح في عهدة السداسي الصيني ـ الإيراني ـ الروسي، إلى جانب التركي ـ المصري ـ السعودي. المناخ مؤات، والمواقف متقاربة. إنعقدت القمّة العربيّة ـ الإسلاميّة في الرياض، وخرجت بباقة من المواقف حول ما يجري في غزّة، وكيفيّة الخروج من النفق، وكانت متطابقة مع تلك التي نادى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وينادي بها الرئيس الصيني شي جينبينغ، وهذا ما فاقم من مشاعر القلق لدى الإدارة الأميركيّة حول قيام تحالف يضم أكثر من 57 دولة عربيّة، وإسلاميّة إلى جانب الصين وروسيا في التصدّي لبنك الأهداف الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة.

كان الكرملين أول المرحبين بقمّة سان فرانسيسكو. وصفها الناطق الرسمي ديمتري بيسكوف بـ”البالغة الأهميّة للعالم”. المعلّقون الروس مايزوا ما بين القمتين تلك التي عقدت بين الرئيسين في تشرين الثاني، قبل عام، في أندونيسيا على هامش قمّة مجموعة العشرين، وتلك التي عقدت حالياً على هامش قمّة منتدى التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي في الولايات المتحدة. اعتبروا أن الزعيم الصيني دخل قوّياً، وخرج من هذه القمّة أقوى. لم ينسَ المنطاد الصيني الذي أسقطه الرئيس بايدن في شباط الماضي، واستغل الحدث إعلاميّاً وعلى نطاق واسع ليظهر التفوّق العسكري الأميركي. لم ينسَ الرئيس الصيني تايوان، والمحاولات الدؤوبة التي قامت بها الإدارة الأميركيّة الحاليّة لابتزاز بكين، واستفزازها. لم ينسَ مسلسل العقوبات الأميركيّة على مؤسسات، وشركات صينيّة، ورجال أعمال. لم ينسَ الإستفزازات العسكريّة الأميركيّة في بحر الصين الجنوبي تحت شعار المناورات العسكرية مع اليابان وكوريا الجنوبيّة وآخرين…

مسلسل المآخذ يطول، والتباين في المواقف حول الملفات الساخنة يملأ الفضاء الإعلامي، ومع ذلك يخرج الرئيس الصيني من الاجتماع أكثر قوّة. حضر ليلبّي دعوة رسميّة تلقاها من الرئيس بايدن مباشرة، بعدما أوفد إليه وزير خارجيته أنتوني بلينكن، في حزيران الماضي، حيث أجرى 11 ساعة من المحادثات المعمّقة مع كبار المسؤولين في القيادة الصينيّة، ثم وزيرة التجارة جينا ريموندو، في نهاية آب الماضي، لرسم خريطة طريق من التعاون. والآن يطلب منه التدخل لمنع إيران من توسيع دائرة الحرب في الشرق الأوسط حيث تتهادى البوارج الأميركيّة فوق مياه بحره.

ويستند الرئيس جينبينغ ـ وفق المحلّلين الروس ـ إلى ورقتين: أوكرانيا، وعلاقاته مع كلّ من السعوديّة وإيران. يؤكدون أنه صاحب النظريّة التي تقول: “إذا كنت تريد السلام في الشرق الأوسط، فعليك أن تبدأ بأوكرانيا”. يملك خريطة طريق تؤدي إلى السلام في أوكرانيا، وسبق أن عرضها على الأفرقاء المعنييّن، لكنها جوبهت برفض واضح من جانب واشنطن التي كانت ترفض أي دور للصين في الأزمة الأوكرانيّة، وتخشى من تسلّل صيني من خلال هذه المبادرة لتعزيز شبكة مصالحها.

لقد وضع الرئيس الصيني نظيره الأميركي أمام معادلة جديدة “تتعاونون لإقفال الملف الأوكراني وفق مبادرة السلام الصينيّة، نتعاون لإقفال ملف غزّة وعلى قاعدة حل الدولتين، وإلاّ فإن وجهات النظر المتقاربة ما بين الصين وروسيا و57 دولة عربيّة وإسلاميّة، سيؤدي حكماً إلى قيام تحالف دولي على المديين القريب والمتوسط تجاه ما يجري في الشرق الأوسط، ومواجهة بنك الأهداف الذي تسعى واشنطن إلى تحقيقه بالتعاون مع العدو الإسرائيلي انطلاقا من تعاونهما القائم حول المجازر في غزّة، والمشاريع المستقبليّة المترتبة ما بعد التوصل يوماً إلى وقف لإطلاق النار.

ولأن حماية المصالح تبقى فوق أي إعتبار، فإن الرئيس الصيني الحريص على مصالح بلاده في الخليج، والعالم العربي، والإسلامي قد يتجاوب، إذا ما لمس بأن هناك جديّة أميركيّة بإعادة النظر في المواقف المعلنة حيال كل الملفات الساخنة بدءاً بأوكرانيا، مروراً بالنفط، والطاقة، وصولاً إلى غزة، والقضيّة الفلسطينيّة، والشرق الأوسط الجديد الذي لا يمكن أن يولد إلاّ من مغارة أطفال غزّة، محبّراً بدم البراءة المراق فوق شهوات المصالح، والذي يكتب ملحمة العصر، ويؤذن بالربيع الآتي من البراعم التي يسحقها الفيل الأميركي، والإجرام الإسرائيلي…

error: Content is protected !!