بن سلمان

السعوديّة تفتح باب التوافق حول “أي رئيس.. لأي لبنان؟”

/ جورج علم /

أقفل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الباب على القمة العربيّة في جدّة، ليفتح باباً على التوافق كمسار لا بدّ منه لمعالجة أزمات لبنان.

وينطلق التوافق أولاً مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومن خلال مشاورات بدأتها الدبلوماسيّة السعوديّة مع كلّ من دولة الإمارات العربيّة المتحدة وقطر والكويت، حول خريطة الطريق التي يمكن اعتمادها في لبنان، وهندساتها السياسيّة، والأمنيّة، والماليّة ـ الاقتصاديّة، كي تحقّق الأهداف المرجوّة.

وينطلق التوافق مع مصر، حاضنة مقر جامعة الدول العربيّة، وعضو “اللقاء الخماسي” حول لبنان.

وينطلق منسّقاً بين الثلاثي العربي، السعوديّة ومصر وقطر، ليشكّل الركيزة الأساس لأي حلّ توافقي يفترض أن يعتمده “اللقاء الخماسي” لإنجاز الإستحقاق الرئاسي، ووضع حدّ للفراغ.

لماذا التوافق؟

لأن السعوديّة ـ رئيسة الجامعة العربيّة ـ تعتبره كيمياء لبنان، وهو حاجة وضرورة في كلّ الظروف والأحوال لهذا البلد المتعدّد، المتنوّع، المتصدّر دوماً جبهة النزاعات في المنطقة، ومحاورها الساخنة. وإن أي رئيس يأتي من خارج التوافق، ربما يزيد من تفاقم الأوضاع، ويعمّق الشرخ بين المكونات.

يضاف إلى ذلك، ظهور عناصر تدعم أبجدية التوافق:

أولها، أن القمّة في جدّة قد اختارت مسار “تصفير” المشكلات ما بين الدول العربيّة، والمساعدة على الحدّ منها داخل كل دولة، وهذا ما دفع برئيس القمّة، ولي العهد السعودي إلى فتح باب التوافق، كمحاولة جديّة تهدف إلى ضبط الفوضى المتصاعدة من “برج بابل” اللبناني.

ثانياً، أن الثنائي القطري ـ الإماراتي يلتقي مع السعوديّة على أن يشمل الحوار ما بين الرياض وطهران، لبنان، وعلى قاعدة “لا استئثار إيرانيّاً بالحل، ولا حلّ من دون إيران”.

ثالثاً، أن الثلاثي العربي، الشريك في “اللقاء الخماسي”، يسعى إلى تثبيت حضوره، وطرح تصوّره للحل على كل من الولايات المتحدة وفرنسا، إنطلاقاً من أن لبنان عضو مؤسس في جامعة الدول العربيّة.

رابعاً، أن اجتماع اللقاء الخماسي في باريس قد انتهى يومها إلى تباين في وجهات النظر حول كيفيّة مقاربة الإستحقاق الرئاسي، والخيارات المتاحة، وما يترتّب على كلّ خيار من مضاعفات. ولذلك، تمهّد السعوديّة الطريق أمام توافق منتج بين دول “الخماسي” يساعد على إنجاز الاستحقاق، وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة.

وبدأ الثلاثي العربي بقيادة السعوديّة، مرحلة جوجلة الأسماء، انطلاقاً من البحث عن هويّة الشخصيّة التي تتمتع بمواصفات توافقيّة، وتتميّز بمؤهلات قياديّة. وكان الموضوع قد أثير خلال إجتماع “اللقاء الخماسي” في باريس، وطرحت قطر يومها إسم قائد الجيش العماد جوزف عون، والتزمت السعوديّة الحياد، فيما أشارت مصر إلى وجوب إنجاز ترتيبات لا بدّ منها، قبل الوصول إلى مرحلة الأسماء، والتصفيات النهائيّة.

وجديد المسار الدبلوماسي على هذا الصعيد، أن الرياض تريد أن تتطابق مواصفات الشخصيّة التوافقيّة مع مواصفات المرحلة، وقائمة الأولويات التي احتلت صدارة اهتمامات القمّة في جدّة، واستحوذت على موافقات الملوك والرؤساء والأمراء العرب، و”حبّرت” صفحات البيان الختامي. وتأتي في المقدمة عودة سوريا لتحتلّ مقعدها في الجامعة، وهذه العودة  تنطوي على خفايا، وخبايا، وأهداف كثيرة، وتتصل بمسارات، بينها المسار اللبناني الذي يفترض أن يقوده رئيس توافقي، يكون على مسافة واحدة من الجميع، وقادر على تحمّل تبعات المصلحة اللبنانية العليا عندما يفتح ملف الحدود والمعابر، وملف النزوح، وملف العلاقات، وملف ترسيم الحدود البحريّة، والمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري، وغيره من الملفات الدقيقة والحساسة، والتي تستدعي شفافيّة بتحمل المسؤوليّة، تماثلها شفافيّة في المحادثات الهادفة إلى تجاوز الماضي، وبناء الحاضر والمستقبل.

ويستدعي المسار السعودي الجديد باتجاه إيران، ووفقاً لخريطة الطريق التي رسمها البيان الثلاثي في بكين، وجود رئيس توافقي يستطيع أن يضع العناوين التي وردت في البيان الختامي لقمة جدّة عن لبنان، موضع التنفيذ. رئيس توافقي قادر على أن يخاطب “حزب الله” من موقع الدستور اللبناني، وموجباته، كما يستطيع أن يخاطب المكونات الأخرى التي ترفع يافطات “الفَدرلة”، على قاعدة “لنا لبناننا، ولكم لبنانكم”، بأن ليس من لبنانَيْن، بل لبنان واحد.

ويستدعي حرص القمّة على تبريد الساحات العربيّة الساخنة، والتي تؤجج نارها التدخلات الخارجيّة، وصراع المحاور، وجود رئيس توافقي قادر على تبريد الساحة اللبنانيّة، وعلى فتح حوار صريح مع الخارج المتدخل والمتورط، أيّاً كان موقعه، ودوره، كي يعيد النظر بحساباته، ويعتدل، ويسعى إلى الحرص على مصالحه من خلال كلمة سواء، ضمن حوار بناء، ذلك أن لبنان المنفتح على الشرق والغرب، قد حوّلته الجوائح المتأتية من أعاصير الربيع العربي، خصوصاً ربيع سوريا، فضلاً عن الجوائح المحليّة السياسيّة والماليّة والإقتصاديّة، إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، وتنفيس الضغائن، والإحتقانات، أو صالة استقبال مفتوحة أمام معارضي الأنظمة العربيّة، أو التنظيمات الإرهابيّة، أو الفارّين من العدالة. إن “الإطفائي” هنا يجب أن يكون توافقيّاً، ويتمتع بمؤهلات معروفة لدى الدول الشقيقة والصديقة، وتحظى بإحترام، ورغبة في الدعم، والمساعدة على النهوض بلبنان من كبواته العميقة.

لقد أقفل ولي العهد السعودي باب القمّة في جدّة على نجاح كبير، ليفتح باب التوافق على “الخماسي” الدولي ـ العربي، وعلى إيران، والعديد من عواصم الدول المؤثرة، لإنتصار التوافق في لبنان، لأن عودته معافى، مستقراً، مزدهراً، يلعب دوره البناء في جامعة الدول العربيّة، إنما هو جزء من مشروعه الطموح والهادف إلى “تصفير” الأزمات في العالم العربي.

 

error: Content is protected !!