اعتصام قصر العدل بيروت اهالي ضحايا المرفأ
تصوير عباس سلمان

يوم حافل بالاحتجاجات.. من يكتب الحلقة الأخيرة؟

/فاطمة جمعة/

إشتعل الشارع اللبناني اليوم، على وقع مسلسل الأزمات الذي يزداد فصولاً، ففي ظل الأزمة الاقتصادية التي نعيش وقائعها منذ 2019، والأزمة المالية التي ضربت العملة الوطنية، كما الأزمة السياسية حول صلاحيات مجلس الوزراء والعصيان عن إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لم ينقص اللبنانيون إلا الدخول في متاهة القضاء، الذي يشكل آخر متنفس لمحاسبة الفاسدين وإنقاذ ما تبقى من لبنان، ليتجلى ذلك عبر سحب الأزمة القضائية إلى صلب الاحتجاجات، فكان المشهد حافلاً وملوناً.

متظاهرون اعتصموا احتجاجاً على قفزات الدولار وأسعار المحروقات، ومتظاهرون اعتصموا للمطالبة بقبض مستحقاتهم لتعليق الإضراب، أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت اعتصموا رفضاً لإخلاء سبيل الموقوفين في سياق التحقيقات، وآخرون اعتصموا دعماً للقاضي طارق البيطار، أما النواب، فمنهم المعتصم من نحو أسبوع داخل المجلس النيابي، ومنهم من انضم لتظاهرة أهالي الضحايا، معبرين عن “حماسهم” و”عنفوانهم” و”مناهضتهم” للواقع الآني، وكأنهم ليسوا في موقع المسؤولية!

أزمة العدلية

بعد قرار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، بإخلاء سبيل كافة الموقوفين في جريمة تفجير مرفأ بيروت أمس الأربعاء، سارع أهالي ضحايا المرفأ إلى الاعتصام أمام منزل عويدات رفضاً للقرار، واستكملوا تحركهم اليوم أمام قصر العدل، على خلفية القرارات الأخيرة في ما يتعلق بتحقيقات المرفأ، وبمشاركة شعبية واسعة، حيث شهد احتداماً وتضارباً وتدافعاً بين المتظاهرين وقوى الأمن الداخلي منذ الصباح.

وانضم نواب قوى “التغيير” و”الكتائب” و”القوات” ومستقلون، إلى صفوف أهالي الضحايا، ولوحظ اندفاعهم الذي غطّى على منظمي الاعتصام، نادى النواب بالعدالة لـ “4 آب”، وباستقالة وزير العدل هنري خوري، وهتفوا دعماً للقاضي البيطار، ومنهم من نزل لتسجيل الموقف والتقاط الصور، لكن الغريب في الأمر، هو الهتافات واللافتات التي استهدفت “حزب الله”، بالإضافة إلى سحل عسكري أرضاً وضربه، هل التحرك بريء لمطالبة القضاء بالعدالة؟ أم طابور خامس دُسّ ليختلط “الحابل بالنابل”؟

بعد ذلك، سعى المعتصمون، أهالي ونواب، إلى خلع بوابة قصر العدل، فانتقلت “الهمروجة” إلى داخل مكتب وزير العدل، مع العلم أنه أُعلن أمس عن عقد اجتماع فيما بينهم لبحث مستجدات التحقيق، إلا أن دخول المكتب تحول إلى “اقتحام”، كما تحول البحث من نقاش مفترض أن يكون نخبوياً على اعتبار انه بين مراجع رسمية، إلى “تهجم” و”عنتريات” و”عبارات نابية”.

خرج النائب وضاح الصادق مصرحاً بأنه تم الاعتداء عليه بالضرب من قبل حرس الوزير خوري، كما وصف النائب أديب عبد المسيح مرافقي الوزير بـ“الكلاب”، الأمر الذي دفعهم لمطالبته بالاستقالة فورا. من جهته، أوضح مكتب وزير العدل في بيان، أن “بعض النواب لم يلتزموا اصول التخاطب واللياقة، الوزير كان مصغياً بهدوء لجميع المداخلات، الا ان حماسة بعض النواب وصراخهم وتهجمهم على الوزير، وتحديداً النائب وضاح الصادق الذي كال للوزير بألفاظ نابية، دفع بالقاضي ايلي حلو التقدم منه لتهدئته واجلاسه”.

وأضاف البيان أن “الصادق استشاط غاضبا وقال للقاضي الحلو: شيل ايدك عني وليه، فأجابه القاضي: لا أسمح لك باهانتي. وهنا ثار بعض النواب وتدافعوا صوب القاضي حلو الذي دفعه وضاح الصادق خارجاً، عندما حاول الدفاع عن نفسه، وهنا تدخل امن الوزير ومرافقيه للحؤول دون التضارب الذي حصل بين مجموعة من النواب و الأمن”.

الأزمة القضائية

فتحت سلسلة الأزمات فصلاً جديداً ضمن مفاجآت 2023، فبعد أن نام التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت لشهور، جراء كف يد القاضي طارق البيطار عقب أحداث الطيونة، استفاق الأخير ملوحاً بيده “المكفوفة”، لمتابعة التحقيقات واستدعاء كل من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا. فما كان من القاضي غسان عويدات إلا أن أوعز للأجهزة المعنية عدم تنفيذ القرارات الأحيرة، واعتباره خارج القضية، ومن هنا تراشقت التصريحات والقرارات.

اليوم، طلب عويدات من النيابة العامة التمييزية عدم استلام أي قرار أو تكليف او تبليغ او استنابة أو أي مستند من أي نوع صادر عن المحقق العدلي طارق البيطار، كونه مكفوف اليد وغير ذي صفة. وأرسل نسخة من الإدعاء الصادر إلى رئيس هيئة التفتيش القضائي، كما أعلم قسم المباحث الجنائية المركزية بضبط ما ورد ذكره أعلاه في حال وروده.

بدوره، إعتبر البيطار أن “كل القرارات التي صدرت عن النائب العام غسان عويدات مخالفة للقانون”، مشدداً على أنه “مستمر في عمله بملف انفجار المرفأ، وأنه يسعى إلى تطبيق القانون”. كما أكد أنه لن يمثل أمام النائب العام في الجلسة التي كانت محددة، بعد الادعاء عليه بتهمة التمرد على القضاء.
وبالتزامن مع الأحداث، عكف جميع اعضاء مجلس القضاء الاعلى، عن عقد اجتماع المجلس تحت ضغط الشارع، كما رفضوا تدخلات النواب في عمل القضاء، مؤكدين أنهم لن يبحثوا في ملف انفجار المرفأ.

احتجاجات وقطع طرقات

في ظل معاناة الشعب اللبناني جراء الأزمة المعيشية والغلاء الفاحش، نظمت تحركات في مختلف المناطق اللبنانية، احتجاجاً على ما آلت إليه الأمور منذ تخطي الدولار الـ50 ألفاً إلى اليوم، فشهدت بعض الطرقات قطعاً بالإطارات المشتعلة، منها في قصقص، بشارة الخوري، طريق المطار، صور وطرابلس. سجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم 61000 ليرة لبنانية، كذلك ارتفع سعر ربطة الخبز إلى 29000 ليرة، ولمزيد بـ”التفنن” في معاناة الشعب، تقرر إصدار جدولين يومياً للمحروقات، فارتفعت الأسعار عصراً 50000 ليرة عنها في الصباح، مسجلةً مليون و114 ألف لصفيحة البنزين.

فيما شاء بعض المواطنين الاعتصام بصمت داخل بيوتهم، تحت تأثير حالة من الصدمة وعدم تصديق سرعة التدهور نحو “جهنم”. هكذا انطفأت حركة الناس في الشوارع، وأقفلت المحلات، وغابت أحاديث “شوفيرية” التاكسي، وهمدت أصوات الضجيج والصخب، مشهد غريب واستثنائي منذ تظاهرات 17 تشرين الأول، يحتّم علينا السؤال: ماذا ينتظر اللبنانيون؟ ومن سيكتب الحلقة الأخيرة من مسلسل أزمة لبنان؟