/محمد حمية/
تؤشّر جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، إلى أن الشغور الرئاسي سيد الموقف حتى إشعار آخر، وأن أي من الأطراف لا يملك نصاب الانعقاد 86، ولا حتى الأكثرية النيابية 65، ما يعني أن التوافق على مرشح هو المدخل الوحيد لانتخاب رئيس.
وأوحت خريطة التصويت وطبيعة المواقف والحوارات بين النواب، في الجلسة الأخيرة، بأن ما يجري من تصويت وسجالات لا يعدو كونه مسرحية هزلية لحرق الوقت بمرشحين غير جديين و”بدل عن ضائع”، بانتظار تسوية خارجية تتظهر داخلياً بتوافق بين الأطراف السياسية الأساسية على رئيس ينهي حالة الشغور، ويوقف نزيف الاهتراء والانهيار في جسم الدولة، ويفتح مرحلة جديدة تواكب الانفتاح الأميركي ـ الغربي على لبنان من بوابة ترسيم الحدود البحرية.
فهل تحصل التسوية قريباً.. ومتى؟ أم يستمر الحصار السياسي والاقتصادي على لبنان بأشكال أخرى سياسية وطائفية؟ وأي رئيس للجمهورية سيشكل جسر العبور الى التوافق ونقطة التلاقي الداخلي ـ الخارجي؟
يعتقد المتشائمون بأن الغرب، وإن سهّل ترسيم الحدود لدواع الحاجة الأميركية الأوروبية للطاقة، فإنه سيمدد سياسة الحصار الاقتصادي والسياسي من خلال عرقلة عجلة المؤسسات بانتخاب الرئيس وتأليف الحكومة، لتجميد استثمار لبنان لثروته النفطية، وإبقائه تحت مقصلة الضغط الدولي لفرض التنازلات عليه بملفات إقليمية.
توحي الضفة الأخرى من المشهد بأن المجلس النيابي بحالة انعدام التوازن، فجميع القوى السياسية تلعب في الوسط وتخفي أوراقها التفاوضية ومرشحيها الحقيقيين حتى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، لتبدأ بعد 31 الجاري عملية التفاوض الجدي وجوجلة المرشحين لبلوغ التصفيات النهائية، بانتظار تبلور المشهد على الساحتين الإقليمية والدولية وحسم بعض الملفات والاستحقاقات الأساسية:
* استكمال توقيع لبنان وحكومة الاحتلال، كل على حدة، الوثيقة الأميركية للتفاهم على تقاسم المنطقة الاقتصادية بحضور الوسيط الأميركي في 27 الجاري، وإرسالها الى الأمم المتحدة، والتحقق من مراحل التنفيذ على أرض الواقع.
* الترسيم النهائي لموازين القوى النيابية بحسم الكتل مواقفها وتوجهاتها الرئاسية، واستكشاف فرص التوافق الداخلي، وترصد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومدى قدرتها على الصمود حتى بلوغ التسوية، وقد تتطلب المرحلة بعض الخضات والصدمات الاقتصادية والاجتماعية، كارتفاع سعر صرف الدولار الى الـ 50 ألف ليرة والتوترات الأمنية في الشارع، للدفع باتجاه بر الأمان الرئاسي عبر استدراج الخارج الى الملعب الداخلي، فدرجت العادة أن تعقد التسويات في لبنان على صفيح ساخن.
* تظهير الشكل النهائي للتوجهات والسياسات الأميركية لدى إدارة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط والعالم بعد الانتخابات النصفية الأميركية الشهر المقبل، والتي ستكون فاصلة في تحديد مسار الانتخابات الرئاسية في 2024، وحينذاك يتحرر بايدن من الحسابات الانتخابية الداخلية ويستكمل تطبيق سياساته تجاه الحرب الروسية ـ الأوكرانية وأزمة الطاقة في أوروبا، ويمضي بحسم علاقته مع السعودية وبطبيعة الحال في الشرق الأوسط. وبالتالي من المتوقع أن يحسم الاستدارة الأميركية في لبنان بعد الانتخابات الأميركية، في ضوء تفاهم حدود النفط والغاز والانفتاح السياسي المتمثل باتصال بايدن بالرئيس ميشال عون بعد سنوات من القطيعة والحصار.
* مع دخول القارة الأوروبية في فصل الشتاء القارس، ستتعاظم الحاجة الى النفط والغاز من المتوسط، والتوقعات والدراسات الأولية تشير الى أن الكمية الموعودة في حقل كاريش لن تلبي الحاجة الأوروبية، لذلك ستكبر الحاجة الى الغاز والنفط اللبناني ويتحول لبنان الى مصدر اهتمام وجذب أوروبي ـ أميركي، ويصار الى تسريع مسار الاستخراج. وتتلاقى هذه التحليلات مع تأكيد شركة توتال الفرنسية بأنها ستبدأ التنقيب والحفر في لبنان في آذار المقبل، وهذا يتطلب تهيئة الأرضية السياسية والبنية الاقتصادية والمالية من خلال انتخاب رئيس وتأليف حكومة جديدة، واقرار قوانين إصلاحية وتشريعية تواكب مرحلة تصدير الغاز الى أوروبا.
* المؤشرات تميل الى أن الادارة الأميركية، وبعد انجاز الانتخابات النصفية، ستحسم الملف النووي الايراني باتجاه اعادة التوقيع عليه، لسببين: الأول ـ تخفيف حدة التوتر مع ايران وفي منطقة الخليج، للتفرغ للحرب مع روسيا وضمان استمرار تدفق النفط والغاز عبر المضائق والممرات المائية كمضيقي هرمز وباب المندب، ولهذا السبب وقعت الهدنة في اليمن. الثاني اعادة ضخ النفط والغاز الايراني في السوق الأوروبية والعالمية كبديل آخر عن الغاز الروسي وغاز المتوسط، لا سيما بعد قرار السعودية ودول “أوبك بلاس” خفض الانتاج النفطي. وهذا التقارب الأميركي ـ الغربي ـ الايراني سينعكس ايجاباً على لبنان بتسريع التسوية.
* إن استمرار الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، سيؤدي الى فوضى دستورية واجتماعية واشتباك طائفي ومزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي إلى انهيار أمني كبير، الأمر الذي لا يتواءم والمصالح الغربية في لبنان ولا يتلاءم مع التوجهات الأميركية الجديدة، للأسباب التالية:
ـ الانهيار الاقتصادي والأمني سيجمّد استخراج الغاز والنفط في الحقول اللبنانية ويحرم أوروبا من مصدر هام قد تحصل عليه ولو بعد عامين أو ثلاثة.
ـ إن استمرار الحصار الخارجي على لبنان سيؤدي الى تعميق فجوة الفقر والجوع والحرب الاجتماعية، ما قد يدفع حزب الله الى افتعال توترات على الحدود لجر إسرائيل الى مستنقع الحرب وتجميد أعمال حقل كاريش للضغط على الغرب باتجاه فك الحصار.
ـ زيادة موجات الهجرة غير الشرعية والنزوح باتجاه السواحل الاوروبية، في وقت باتت أوروبا مستودعاً للاجئين الأوكرانيين الهاربين من جحيم الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
تشير المعطيات في لبنان والمنطقة الى أن كوة قد فتحت في جدار الاستحقاق الرئاسي، بدأت طلائعها من انفراج الأزمة العراقية بانتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة خلال يومين، لكن ينتظر اكتمال دورة الأحداث والاستحقاقات لبلورة المشهد، لكن المرجح بأن الفراغ الرئاسي في لبنان لن يطول، وسيكون هناك رئيس في بعبدا خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر المقبلة، وعندما تنضج الظروف سيتم اختيار مرشح يتناسب مع طبيعة الظروف المقبلة أي “رئيس المرحلة”.