/ مرسال الترس /
فور إعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الموافقة على مضمون ورقة الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين حول الترسيم البحري الجنوبي، ومسارعة أكثر من عشرة نواب المطالبة بالاطلاع على مضمون الاتفاق، عادت الذاكرة إلى “اتفاق القاهرة” في الثالث من تشرين الثاني من العام 1969 بين الدولة اللبنانية، ممثلة بقائد الجيش العماد إميل البستاني، ورئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات، والتي قضت بالسماح للمقاومة الفلسطينية الانطلاق من لبنان. ولكن هذه الاتفاقية ظلت طي الكتمان ولم يتم إطلاع مجلس النواب عليها، ولم يتم كشفها إلاّ خلسة بعد عدة سنوات.
بالأمس طالب إثنا عشر نائباً بالاطلاع على مضمون اتفاقية الترسيم ومناقشتها في المجلس النيابي، وفيما طلب الرئيس نبيه بري من الأمانة العامة للمجلس توزيع النص على النواب قال في حديث صحفي: “النص الأميركي لا يستلزم نقاشاً في البرلمان لأنه ليس اتفاقاً مع اسرائيل”.
اللافت، أنه فور الإعلان عن الموافقة ظهرت أصوات متناقضة في الرأي العام:
المعارضون ركزوا على أن اتفاق الترسيم شكّل تراجعاً بمساحات مائية واسعة عن ما تضمنه اتفاق 17 أيار الذي تم توقيعه في العام 1983، في عهد رئيس الجمهورية أمين الجميل، والذي رضخ وتراجع عنه، لا بل ذهب بعضهم للدعوة إلى “تحصيل شرف” للرئيس السابق على ما قام به!
أما المؤيدون فبُحّت حناجرهم من ترداد مقولة أن الاتفاقية ستنتشل لبنان مما هو فيه من أزمات مالية واقتصادية ومعيشية، وأنها انجاز تحقّق بنضال الشعب والجيش والمقاومة، متجاهلين أنه من غير المستحسن الركون إلى التعامل مع العدو الاسرائيلي من دون ارتداء “الكفوف”، تخوفاً من أية أرانب قد تظهر من هذا الكم او ذاك، وخير دليل مطالبة العدو وإصراره للحصول على تعويضات معينة من حقل قانا.
الفريق الثالث ذهب إلى حد وصف اتفاقية الترسيم بأنها اتفاق هدنة ثانٍ، على اعتبار أن اتفاقية الهدنة الأولى قد تم توقيعها في العام 1949.
فإلى أي حد تصلح المقارنة بين الاتفاقيتين؟
مع الأولى كَثُرت الأحاديث عن نية المقاومة أن يكون لبنان وطناً بديلاً، وتزامنت مع قول شهير لأحد قادة المقاومة الفلسطينية صلاح خلف الشهير بلقب أبو أياد “أن طريق القدس تمر في جونية”. أما مع الثانية فهناك علامات استفهام عديدة عن حجم الدعم المالي لأميركا والغرب لبقاء النازحين السوريين في لبنان. وبين الإثنتين كانت تتردد تساؤلات عديدة في فترة حكم الرئيس الشهيد رفيق الحريري عن حجم الاستدانة المبالغ فيها من الخارج (من أجل إعادة إعمار لبنان)، وكانت الأجوبة تتمحور حول أن كل تلك الديون سيتم شطبها في حال جرى توطين الفلسطينيين في لبنان بطريقة أو بأخرى.
الثابت في كل الفصول، أن الغرب وحلفاءه لا يقدمون على أية خطوة لا تصب في خدمة مصالحهم على حساب الشعوب “الأدنى رتبة”، كما كان يفعل الاستعمار في القرن الماضي، على عكس ما تظن بعض الشعوب أنها محور الكون!
والثابت أيضاً أنه لا يصح أن تُحجب أية اتفاقية عن ممثلي الشعب، حتى لا يُظن فيها سوء، والأنسب أن يتحمل كافة أهل الحكم المسؤولية، حتى لا يوصم من قاموا بالعمل أنهم فرّطوا بما لا يجب أن يتم التفريط فيه وطنياً.