التصعيد بين الكوريتين: حرب الصين وأميركا بالوكالة؟

/ دايانا شويخ /

الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا والصين… دول تسابقت إلى التسلح النووي خشية على أمنها القومي، ورغبة في استخدامه كسلاح سياسي، ووسيلة للدفاع الاستراتيجي. ولم تتوقف القائمة هنا، فقد لجأت مؤخراً كوريا الشمالية، الدولة الفقيرة المنعزلة نسبياً إلى إقرار قانون في سبتمبر/أيلول، يسمح لها بتنفيذ ضربة نووية وقائية، والأمر” لا رجعة فيه” حسبما يعتبر زعيم البلاد كيم جونغ أون. وأجرت بيونغ يونغ سلسلة من الاختبارات هذا العام، بما في ذلك صاروخ باليستي عابر للقارات، ويعد ذلك للمرة الأولى منذ العام 2017. وهذا الأسبوع لم تتوانَ كوريا الشمالية عن تنفيذ المزيد من التجارب الباليستية وسط توتر العلاقات مع جارتها الجنوبية. فما هو الصراع التاريخي بين الكوريتين وما هو موقع الولايات المتحدة والصين من هذا الصراع؟

 كيف قسمت كوريا الى شمالية وجنوبية؟

احتلت اليابان كوريا في العام 1910 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع انتهاء الحرب في العام 1945 بهزيمة اليابان أمام الولايات المتحدة الأميركية بعد ضربة بالسلاح النووي الأميركي في هيروشيما وناغازاكي، استسلمت القوات اليابانية في كوريا الجنوبية للأميركيين، فيما بقيت كوريا الشمالية الشيوعية بقيادة زعيمها كيم إيل سونغ خارج السيطرة الأميركية. وانتهى بذلك الاحتلال الياباني الذي دام خمسة وثلاثين سنة. لكن قُسّمت كوريا إلى قسمين على امتداد خط 38: القسم الشمالي يحكمه الشيوعيون الأقرب إلى الصين من الاتحاد السوفياتي، والقسم الجنوبي تحكمه الولايات المتحدة. ومع بداية الحرب الباردة، لم تنجح المفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في الوصول إلى كوريا موحدة ومستقلة.

تعتبر كوريا الشمالية دولة اشتراكية تحت حكم حزب العمال الكوري، على عكس كوريا الجنوبية التي تعتبر متعددة الاحزاب وذات نظام جمهوري رئاسي دستوري، وهي من الدول التي تسعى إلى التسلح غير التقليدي. وقد أقرت مؤخراً قانونا تعلن فيه نفسها دولة نووية، حيث أجرت كوريا الشمالية ستة تجارب نووية في الفترة بين عامي 2006 و2017.

تاريخ الصراع بين الكوريتين

شكل التناقض بين النظامين العالميين، الاشتراكي والرأسمالي، نقطة أساسية في نشوب الحرب في شبه الجزيرة الكورية. إلا ان القضية الأساس التي شغلت المؤرخين والكتاب هي من الذي بدأ الحرب أولاً: المعسكر الشمالي أم الجنوبي؟ منهم من يعتبر أن قوات من كوريا الشمالية، وبدعم الاتحاد السوفياتي، قامت بغزو كوريا الجنوبية في حزيران 1950 وتصدت لها قوة معظمها من القوات الاميركية برعاية الأمم المتحدة. ومنهم من يرجع السبب إلى الولايات المتحدة الاميركية التي كانت المحرك الرئيسي لهذا العدوان الذي بدأ على قوات كوريا الشمالية، بالاستناد على بعض وثائق وزارة الدفاع الكورية الجنوبية التي وقعت بيد الجيش الكوري الشمالي.

بدأت الحرب الأهلية الكورية بين عامي 1950 و1953، وكانت شبه الجزيرة الكورية مقسمة إلى معسكرين: الجزء الجنوبي الذي تقوده الولايات المتحدة، والمعسكر الشمالي الذي يقع بيد الشيوعيين. حصلت حينها كوريا الشمالية على دعم جمهورية الصين الشعبية ودعم عسكري نسبي من الاتحاد السوفياتي، ودُعمت كوريا الجنوبية من قبل القوات الأميركية، بينما فصلت بين القوات وحدات مراقبين من الامم المتحدة. وانتهى الصراع بين الجزأين الشمالي والجنوبي بعد أن تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تموز/يوليو 1953 بعد أن أنهك الطرفان من الدمار الكامل، إلا ان هذا الصراع لم ينته بانتهاء الحرب الباردة، بل لا يزال مستمراً الى اليوم.

التوتر بين الكوريتين اليوم

في سلسلة من تجاربها الصاروخية، قامت بيونغ يونغ بست عمليات إطلاق صواريخ في أقل من أسبوعين، وأطلقت الثلاثاء الماضي صاروخاً بالستياً متوسط المدى حلق فوق اليابان قبل أن يسقط في المحيط الهادئ، في تجربة غير مسبوقة منذ العام 2017. وقامت السلطات اليابانية على إثرها بإطلاق إنذار تحذيري لسكان بعض المناطق. ودان رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الأمر بشدة وقال “انه عمل عنف يأتي عقب عمليات إطلاق متكرّرة وحديثة لصواريخ بالستية”.

وازداد التوتر بين الكوريتين على خلفية إجراء كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في أغسطس/آب الماضي تدريبات مشتركة. وتتهم بيونغ يونغ واشنطن بالرغبة في إعداد هجوم محتمل من خلال تلك المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، في حين تنفي الدولتان ذلك. وبدأت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الجمعة تدريبات بحرية مشتركة، وذلك بعد يوم من تحليق 12 مقاتلة كورية شمالية قرب الحدود. في حين ردت كوريا الشمالية على التدريبات العسكرية بتنفيذ أول تحرك عسكري تدريبي من نوعه بالنيران الحية. ووصفت بيونغ يونغ تجاربها الصاروخية بـ”الرد المشروع” على تهديدات عسكرية أميركية، في حين اعتبرتها واشنطن وسيول “تهديداً خطيراً للأمن والسلم”.

وتأتي التدريبات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في ظل تصاعد التوتر بالمنطقة، بخاصة بعد أن وقعت بيونغ يانغ في سبتمبر/ أيلول الماضي قانوناً يسمح لجيشها بتنفيذ ضربة “نووية وقائية” لحماية نفسها.

ماذا عن دور الصين وأميركا؟

تعود أصول الأزمة بين كوريا الشمالية وأميركا إلى تسلح الأولى نووياً واعتبارها تهديداً مباشراً للولايات المتحدة، بخاصة بعد تعهد زعيم كوريا الشمالية بعدم إجراء مفاوضات بشأن نزع السلاح النووي من بلاده. وهو الأمر الذي يتعارض مع رغبة واشنطن في نزع السلاح من شبه الجزيرة الكورية. وتخوض الولايات المتحدة من خلال كوريا الجنوبية حرباً بالوكالة مع كوريا الشمالية من خلال إجراء مناورات عسكرية بوتيرة مستمرة خوفاً من أي تهديد نووي. فواشنطن تأخذ تهديدات زعيم البلاد بحذر لمعرفتها أن السلاح النووي الكوري الشمالي ينشئ توازن ردع في شرق آسيا، ويسبب ذعر حلفاء واشنطن، خصوصاً في سيول وطوكيو، ويزداد القلق الأميركي من سلاح كوريا الشمالية وتحركاتها كلما تصاعد الخلاف الصيني ـ الأميركي، لمعرفة واشنطن بحجم العلاقة التي تربط كوريا الشمالية بالصين. ومؤخراً قامت نائبة الرئيس الاميركي كامالا هاريس بزيارة إلى المنطقة الحدودية بين الكوريتين المنزوعة السلاح، ووجهت انتقادا مباشراً إلى كوريا الشمالية ووصفتها بأنها دولة “دكتاتورية وحشية”.

وعلى الضفة الأخرى، شكلت الولايات المتحدة، قبل أكثر من خمسين عاماً، صلة التقارب بين الصين وكوريا الشمالية، وتعتبر بكين حليفاً قديماً لبيونغ يونغ، حيث تجمعهما نظرية عقائدية واحدة. كما أنها تعتبر من أبرز الداعمين لها اقتصادياً، حيث تسهم في أكثر من 90 في المئة من التجارة الثنائية لبيونغ يونغ التي يعاني اقتصادها من جراء العقوبات الدولية. إلا أنه، وعلى الرغم من التقلبات التي مرت بها العلاقات بين البلدين بسبب تسلح بيونغ يونغ النووي، إلا أن الصين متمسكة بمبدأ الدفاع عن بيونغ يونغ في وجه الولايات المتحدة التي توجه انتقادات عدة للصين لعدم بذلها جهوداً كافية لمنع كوريا الشمالية من التسلح النووي.

تايوان مقابل كوريا الشمالية

التصاعد الحالي للأزمة الكورية لا يبدو، بنظر المراقبين، منفصلاً عن تصاعد النزاع الأميركي الصيني. وفيما تبدو تايوان كخنجر أميركي قابل للتحريك في الجرح الصيني، تتقدم كوريا الشمالية لتصنع توازناً نوعياً، بحيث تصبح المعادلة كلما سلحت واشنطن تايوان أكثر بوجه الصين، كلما ارتفعت وتيرة التهديد النووي الكوري الشمالي لكل من كوريا الجنوبية واليابان، وفق معادلة الصين مقابل أميركا وتايوان مقابل كوريا الشمالية، وليس تايوان مقابل الصين.