/سارة طهماز/
مجموعة جلسات للمجلس النيابي ستعقد أيام الأربعاء والخميس والجمعة لمناقشة مشروع موازنة العام 2022 ببنودها التي قد لا تقدم ولا تؤخر على صعيد تغيير الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي المزري الذي يعيشه البلد واللبنانيون، نظراً لكون الموازنة لن تلحظ أي إصلاحات جدية تواكب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والشروط التي يطلبها الصندوق وتتضمن بعض البنود المتفجرة والخلافية كالدولار الجمركي وسعر صرف الدولار والايرادات، فضلاً عن تأخر إقرارها ثمانية أشهر وبالتالي فقدت جدواها ومعناها ويحولها الى موازنة صورية ومجرد أرقام بعيدة عن الواقع.
ولكنّ المفارقة تكمن في التأخّر الحاصل في إقرار موازنة عام معين في ثلثه الأخير، بفوارق واضحة بين الأرقام الموجودة فيها والأرقام الواقعية لجهة الإيرادات والإنفاق، ولا ننسى غياب خطة التعافي التي على أساسها سيمنح صندوق النقد الدولي القروض المالية للبنان ووجودها شرط أساسي. فهل ستمر الموازنة في ظل الخلافات السياسية على أكثر من بند؟ لا سيما غياب دراسة واضحة لتطبيق الدولار الجمركي، وعدم اعتماد سعر صرف واضح وموحد ورسمي جديد في خضم الأزمة. ففي حين تصر الحكومة على رفع الجمرك الى 20 ألف ليرة ترفض الفئات الوظيفية والهيئات الاقتصادية وعموم الشعب هذا الرقم، الأمر الذي سيدفع المجلس النيابي الى حسم الأمر باعتماد سعر الـ12 ألف ليرة، لكن لم يتم الاتفاق على سعر الصرف حتى الآن في ظل خلاف بين اعتماد سعر المنصة أو 20 أو 12 ألف ليرة.
بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش، الذي تحدث لموقع “الجريدة”، فمن المتوقع أن تقر موازنة العام 2022 قبل نهاية شهر أيلول من العام المنصرم، بعد أن تم تحويلها إلى الهيئة العامة، ولكن أهميتها لا تكمن في الأرقام التي تتضمنها، ففي قراءة لها، تبلغ الإيرادات حوالي 47 ألف مليار، بينما ما هو محصل لغاية شهر اَب لا يتجاوز الـ17 ألف مليار أي أقل من النصف، وبالتالي اليوم تحقيق هذه الموازنة غير وارد، وتكمن أهميتها في البنود التي تتضمنها، منها تحديد قيمة الدولار الجمركي والذي سيتم على أساسه تحصيل الإيرادات (الجمركية والضريبية)، وهو أمر أساسي بالنسبة إلى عمل القطاع العام واستمراريته. فبطبيعة الحال لن تتم زيادة واردات الدولة إذا لم يتم العمل بحسب الدولار الجمركي، وسيكون هناك شلل في القطاع العام.
عادة ما تتضمن الموازنات تعديلات ضريبية وقوانين جديدة لتحصيل واردات جديدة، وبالتالي هذه الموازنة وببنودها التعديلية، هي بداية لإعداد موازنة العام 2023 لكي تكون قريبة من الواقع، بعكس الميزانية الحالية التي تبعد عن الواقع وقد لا تتحقق أرقامها.
من ضمن النقاط الإيجابية التي تحملها الموازنة الحالية وفق عكوش، منح حوافز للقطاعين الصناعي والسياحي وإعفاءات ضريبية مما سيساعد على نهضتهما، ومنح الشركات الناشئة التي سيتم تسجيلها بشكل حديث إعفاءات ضريبية لمدة خمس سنوات. بالإضافة إلى إعادة هيكلة الشطور الضريبية التي ضُربت خلال التضخم الحاصل، وإعادة الاعتبار للتنزيل العائلي، وكلها أمور مهمة لإعادة الانتظام الضريبي. تعديل معظم الضرائب والرسوم التي تاَكلت نتيجة التضخم مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية (الرسوم والطوابع على المستندات في كافة المرافق العامة).
وفي المقابل هناك نقاط ضعف لهذه الموازنة، منها أنها تقر في نهاية فترتها (حيث ينتهي العام 2022 بعد ثلاثة أشهر)، وبالتالي من الصعب أن تحقق الأرقام الواردة فيها، يضيف الخبير الاقتصادي إلى ذلك، الإعفاءات والتسويات الضريبية التي تقرها الحكومة في كل موازنة تشجع الشركات والأفراد على مخالفة القوانين، حيث نجد أن التسويات تحدث كل فترة زمنية فيقوم أغلبية المكلفين بالمخالفة.
يعتبر إقرار الموازنة – وإن تأخرت- من الأمور الضرورية لإعادة انتظام مالية الدولة، خاصة على أبواب المهلة الدستورية المحددة لموازنة العام 2023، فمن المفترض أن ترسلها الحكومة إلى مجلس النواب قبل شهر تشرين، ولغاية اليوم لم يتم إعداد هذه الموازنة في ظل حكومة تصريف الأعمال، على أمل أن تشكل حكومة قادرة على القيام بمهامها، بالرغم من أن هذه الموازنة غير كافية ولازلنا نفتقد لمسائل عدة، منها إقرار قانون الكابيتال كونترول، خطة التعافي التي سيتم بموجبها توزيع الخسائر، إعادة هيكلة المصارف، وإصدار قوانين جديدة للقطاع المصرفي لإعادة إحيائه بعد فقدانه الثقة، ومن الممكن أيضاً إدخال مصارف جديدة برساميل جديدة (فريش)، وإعادة إحياء الدورة الدموية الاقتصادية وتحقيق نمو في الناتج القومي، بحسب الدكتور عكوش.