هل وقف النار في لبنان أسير المرحلة الانتقالية في واشنطن؟

| فكتور شلهوب |

رافقت عودة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين من المنطقة في أواخر الأسبوع الماضي، إشارات وتلميحات متباينة حول مهمته لتحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. معظمها يرجّح أن المشروع دخل في طور وضع اللمسات الأخيرة عليه، بعدما أعطت إسرائيل “الضوء الأخضر”، وقبولها بالصيغة التي حملها المبعوث من لبنان، مع إضافة “بعض التعديلات”. كما سرت تسريبات منسوبة لمسؤولين أميركيين، تتحدث عن اتفاق “قريب” ربما خلال أيام قليلة، ولو أن ثمة من يستبعد نضوج الطبخة قبل إجازة عيد الشكر في أميركا الذي يصادف يوم الخميس المقبل.

ومن الإشارات في هذا الاتجاه أيضاً، حسب بعض القراءات، التصعيد الميداني المتبادل في اليومين الأخيرين، الذي بدا محاولةَ ضغط من الجانبين لتحسين الوضع والشروط قبل صدور الاتفاق في صيغته النهائية. في المقابل، ظهرت مؤشرات توحي بالعكس، أو في أقله تطرح علامات استفهام حول فرضية نجاح مهمة هوكشتاين في بنودها الرئيسية.

يوم الجمعة الماضي، أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن اتصالاً بوزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، شدد فيه على أن الإدارة “ملتزمة بتحقيق حل دبلوماسي في لبنان”. مفاتحة كاتس بهذا الموضوع وحثّه ضمناً على القبول بوقف النار، بعد أن كان هوكشتاين قد أنهى لقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين، تؤشر إلى وجود عقبة إسرائيلية ما زالت تحول دون التوصل إلى الاتفاق. وتعزز هذا الاحتمال بما تردد عن “تشكيك” فرنسا بتفاؤل هوكشتاين، ولو أن هناك من يربط هذا التشكيك برفض إسرائيل عضوية فرنسا في اللجنة الرباعية المقترحة لتتولى مراقبة تنفيذ وقف النار.

وسط هذه الإشارات بتأويلاتها الإيجابية والسلبية، تلوذ الإدارة بالصمت. اكتفت في آخر تصريحاتها بالقول إن تحقيق وقف إطلاق النار “ما زال ممكناً”، وأنها عازمة على “مواصلة مساعيها” في هذا الخصوص. عادة في مثل هذه الحالة، وعندما تكون الحلول من هذا النوع قد باتت على وشك إعلانها، يبادر المعنيون في التمهيد لها باعتبارها “إنجازاً” حققته الإدارة، لكنهم لاذوا بالصمت وغابوا عن شاشات برامج يوم الأحد التي تستعرض أبرز أحداث الأسبوع الماضي، خاصة ما يندرج منها في خانة النجاحات ولو المرتقبة للإدارة.

اللافت أن بعض المرشحين لمناصب هامة في إدارة دونالد ترامب المقبلة سارعوا إلى الادلاء بدلوهم بشأن حروب المنطقة.

مايك والتز، الذي اختاره الرئيس المنتخب ليكون مستشاره لشؤون الأمن القومي، قال الأحد: “هناك الآن لحظة متاحة لصياغة نوع من الترتيبات التي توفر فعلاً الاستقرار في الشرق الأوسط”. واضح أنه يعني القيام بترتيبات مبنية على توازنات الميدان في الوقت الراهن، للتذكير بأن الرئيس ترامب وعد خلال الحملة الانتخابية بالعمل على “وقف الحرب”، وذلك على خلفية تعهده في 2016 بإنجاز “الحل النهائي” للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي انتهى بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. والمعروف انه اختار سفيراً لإدارته (مايك هاكابي) في إسرائيل لا يعترف بوجود شعب فلسطيني ولا بضفة غربية، بل “يهودا والسامرة”.

ومن بين السيناريوهات بشأن الغموض المحيط بموضوع وقف النار في لبنان، أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لم يتزحزح عن شرط منحه حرية التصرف ومن دون الرجوع إلى لجنة مراقبة التنفيذ، عند حصول خرق للاتفاق في لبنان. بذلك يشتري الوقت، ويراهن على انتزاع شيء ضبابي من هذا القبيل، ولغاية مجيء ترامب، بحيث يمكنه آنذاك تأويله بصورة توفر له إطلاق يده في مسألة الخروقات، وبما يبقي على باب الحرب مفتوحاً. وهناك حذر آخر لدى إدارة جو بايدن، يتمثل بخشيتها من المضي باتفاق رمادي نزولاً عند رغبة نتنياهو كما نزلت عند هذه الرغبة مراراً وتكراراً في غزة، ثم يأتي ترامب ويتخلى عنه كما فعل بانسحابه من اتفاق 2015 النووي مع طهران. وهذا احتمال قائم ويمكن أن يكون مرجحاً إذا مضى نتنياهو بصيغة مشروع هوكشتاين.