/خلود شحادة /
لبنان وطن بهويته المقاومة لا يقبل المساومة، رغم امساكه من خاصرته الرخوة “الأزمة الاقتصادية”، وشد الخناق عليه بحصار بات واضح المعالم، ومعلوم المصدر.
ربما كان في خيال “الأم الحاضنة” لكيان الاحتلال، أن تتمكن من دفع لبنان الى الانجراف بتيار التطبيع، الذي سبق أن جرف معه العديد من الدول العربية، بذريعة “التطوير الاقتصادي”، أو ربما الخوف من سوط العقوبات الأميركي.
لعل المشهد الوحيد “المفرح” في ملف ترسيم الحدود اللبنانية البحرية، هو تكاتف القوى السياسية بوجه الغطرسة الاسرائيلية. موقف موحّد “مشرف” قدمه لبنان عبر رؤسائه أمام “المفوض” الأميركي آموس هوكشتاين، بعد سنين من الخلافات والأخذ والرد.
لا يختلف اثنان ان التخبط اللبناني، والنكايات السياسية، أخّرا خروج لبنان من عمق أزمته، عبر الغوص بعمق بحره لاستخراج الغاز المكنون.
وبين خطوط البحر.. وخطوط التماس اللبنانية بين الأقطاب السياسية.. كيف وصل لبنان الى الخط 29.. ومن أين بدأ؟
بدأت الحكاية العام 2007، عندما عقد رئيس الحكومة آنذاك، فؤاد السنيورة، اتفاقاً مع قبرص لترسيم حدودها البحرية مع لبنان.
صدّقت قبرص العام 2009 على الاتفاقية، الا أن لبنان عاد، أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وعدّل المرسوم في العام 2011، انطلاقاً من النقطة 23، على اعتبار ان النقطة 1 تسلب لبنان حقه بمياهه الخالصة، وبالتالي خسارته لأكبر احتياطي ممكن من الغاز الطبيعي.
في العام 2010، وقعت “إسرائيل” اتفاقية منطقة اقتصادية خالصة مع قبرص، مع الأخذ بالإحداثيات الخاضعة للتعديل في الاتفاقية القبرصية اللبنانية كحدودها الشمالية، المنصوص عليها في اتفاقها مع نيقوسيا، أي النقطة 1.
ونتيجة لذلك، تتداخل الحدود البحرية الشمالية لفلسطين المحتلة مع الحدود الجنوبية للبنان، مما خلق نزاعًا بين لبنان وكيان الاحتلال، حيث شجب لبنان الاتفاق باعتباره هجومًا على حقوقه السيادية على تلك المنطقة، إلى أن ثبتت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، النقطة 23 كحق للبنان لدى الأمم المتحدة، وقدرت بـ 860 كيلومترا مربعا عبر مرسوم يحمل رقم 6433.
لكن الدولة اللبنانية، لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقّعت اتفاقية أخرى مع إسرائيل العام 2011، متجاهلة التعديلات التي أدخلها لبنان على ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة، ما أعاد مسار ترسيم الحدود الى نقطة الصفر.
ووفق المقاربة الرسمية اللبنانية، أنه في العام 2012، قدمت الولايات المتحدة الأميركية عبر موفدها فريدريك هوف، اقتراحاً لحل النزاع البحري مع العدو الإسرائيلي، وذلك بتقاسم المنطقة التي يدّعي هذا العدو أنه متنازع عليها، برسم خط، عرف في حينه بـ”خط هوف”، يعطي لبنان حوالى 500 كلم مربع، والعدو الإسرائيلي حوالى 360 كلم مربعاً من أصل كامل مساحة الـ 860 كلم مربعاً “المتنازع” عليها. وكان هذا الخط يمتد من ثلاثة أميال من الشاطئ الى النقطة (H) تقع بين النقطة (1) والنقطة (23) “.
العام 2017، وقع لبنان اتفاقية للتنقيب عن الغاز وإنتاجه مع كونسورتيوم يضم شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية للبلوكات 4 و 9.
اتفاق الاطار
عقد من الزمن أمضاه رئيس مجلس النواب نبيه بري يفاوض “لترسيم الحدود البحرية ورسم خط أبيض في البحر المتوسط الازرق”، انتهت لتكون على متن صفحة ونصف الصفحة هو نص “اتفاق الاطار العملي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية” بين لبنان وفلسطين المحتلة.
بلسان بري اعلن عن اتفاق – إطار لمفاوضات “ترسيم الحدود البحرية والبرية” بما يتوافق والشروط اللبنانية، حول مفاوضات غير مباشرة مع العدو الاسرائيلي تحت مظلة الأمم المتحدة وبحضور أميركي.
الاتفاق أودعه بري بعهدة رئيس الجمهورية ميشال عون، المكلف بالدستور عقد الاتفاقيات الدولية، ليتولى الجيش اللبناني حينها، ملف التفاوض مع الطرف الأميركي الوسيط في الناقورة.
العام 2020، تم الإعلان عن عدم جدوى استكشاف البلوك 4 تجاريًا، لكن المسوحات السيزمية أظهرت نتائج واعدة للبلوك 9، على الرغم من أن الحفر فقط هو الذي يمكن أن يؤكد وجود موارد غاز مجدية تجارياً.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التزامها بصفقة الاستكشاف مع لبنان، شددت “توتال” على أنها لن تبدأ عملياتها في بلوك 9 حتى يتم حل الخلاف بين لبنان وكيان الاحتلال.
هذا الموقف، فسره البعض على أنه ينسجم مع قرار خنق لبنان، واغراقه في أزمته اكثر فأكثر.
في نيسان 2021، وقع وزير الأشغال العامة، آنذاك، ميشال نجار، على تعديل مرسوم تعديل حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة، على قاعدة الخط 29، بعدما اطلع على تعديل مشروع المرسوم رقم 6433/2011 الذي أعدته وزارة الدفاع الوطني والمديرية العامة للنقل البري واالبحري والخرائط المرفقة، كما وقعته وزيرة الدفاع زينة عكر بعد جهود، وصولاً إلى رئيس الحكومة آنذاك حسان دياب الذي وقع المرسوم بصفة “استثنائية”، على اعتبار أن حكومته مستقيلة، وكما حصل بالنسبة لعشرات المراسيم الأخرى التي اعتمدت فيها الصفة “الاستثنائية” بسبب طول فترة تصريف الأعمال، وتم إرسال المرسوم إلى بعبدا لإصداره من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون بعد التوقيع عليه.. إلا أن المرسوم لم يصدر!
بعد الضغط الشعبي والسياسي على عون، الذي وضع المرسوم في “الجارور”، أرسل عون المرسوم عينه الى مجلس الشورى، الذي أعطى استشارة بدت كأنها “غب الطلب”، حيث خلصت إلى أن ملف ترسيم الحدود يجب أن يوقع عليه مجلس وزراء فاعل، لا حكومة تصريف أعمال، التي كان يرأسها حسان دياب آنذاك.
تجدر الاشارة هنا، الى “الشورى” طبق ما ينص عليه القانون، الا أن عون، ومعه الشورى، تناسيا أن هذا الامر ينطبق ايضاَ على الموازنة، التي تم تمريرها “غب الطلب”!
بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، عاد المرسوم إليها ليبدأ “دورته الروتينية”، لكنه توقّف في السراي الحكومي، حيث مشى ميقاتي مع عون في نفس النهج، ووضعه في “الجارور”.
هذا التماهي كان بعنوان “خلينا نساير الاميركان”، خاصة أن البيت الأبيض عند كل قرار يمس بأمن طفله المدلل “اسرائيل”، كان يلوح بسيف العقوبات.
وبعد دخول سفينة energean power يوم الأحد 5 من حزيران، حقل كاريش في المنطقة المتنازع عليها مع العدو الاسرائيلي، عاد ملف ترسيم الحدود الذي كان منسياً الى الواجهة من جديد.
أودع المسؤولون اللبنانيون اليوم، وصيتهم للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، والتي بحسب المعلومات نصت على ضمان حق لبنان بالخط 23 مع تعرج عند حقل قانا المحتمل، يجعل الحق بهذا الحقل كاملاً للبنان مع وقف كيان الاحتلال أعمال استخراج الغاز من “كاريش” الآن.
ولا بد من الاشارة هنا، الى ان تسمية “حقل” لا تصح إلا في حال تم اثبات وجود الغاز الطبيعي عبر الحفر، وهذا ما ينطبق على “كاريش”. أما حصول لبنان على حقل قانا “المحتمل”، مقابل التنازل عن حقل كاريش، ما هو الا تسليم بالمضمون، والتمسك بـ”المحتمل” ـ المجهول، الذي ربما يتكرر فيه سيناريو بلوك رقم 4… ويكون لبنان قد خسر بذلك ثروته النفطية!