صَدِّقوا انَّ دولةً محاصرةً تبحثُ عن دقائقَ كهربائيةٍ للفظِ العتمةِ الشاملة، وتَستخدمُ فيولاً بمواصفاتٍ مرهقةٍ لمعاملِ انتاجِ الطاقةِ – بعنوانِ الاضطرار، ولا تقبلُ هبةً تؤمّنُ الكهرباءَ لشعبِها ساعاتٍ وساعات، فقط لانها من الجمهوريةِ الاسلاميةِ الايرانيةِ وهو ما يزعج ُ خاطرَ الاميركي ..
صدِّقوا انَّ دولةً تَمكَّنَ وزيرٌ واحدٌ فيها من تأمينِ ملايينِ الدولاراتِ عبرَ الاستيفاءِ الصحيحِ من المرافئِ والموانئِ والمطار، ولديها عشراتُ المصادرِ الاخرى في وزاراتٍ متعددة ، ولا ترى الا رفعَ الدولارِ الجمركي لسدِّ العجزِ بموازنتِها.
بل صدِّقوا انَّ نائبَ رئيسِ حكومَتِها لم يرَ بُداً من ربطِ الدولارِ الجمركي بمنصةِ صيرفة، فيما المواطنُ عاجزٌ عن تحملِ هذا الدولارِ على العشَرةِ آلافٍ ليرة لما له من تأثيرٍ على رفعِ الاسعار، فكيف بمنصةِ صيرفة التي فاقَ دولارُها السبعةَ والعشرينَ الفَ ليرة؟
صدِّقوا انَّ بلداً كهذا يملكُ من القوةِ ما يكفيهِ لحمايةِ خياراتِه باستخراجِ نفطِه وغازِه من عمقِ البحر، ما يحررُهُ من كل ما سلف من ازمات. لكنه يفضّلُ انتظارَ الرضى الاميركي..
لكنَه رضىً لا بدَّ أن ينتزعَه لبنانُ من الاميركي والاسرائيلي مستنداً الى قوةِ مقاومتِه ووضوحِ معادلاتِها، فهو يخوضُ الآنَ معركةً مقدسةً كما سماها المديرُ العامّ للامنِ العام اللواء عباس ابراهيم من اجلِ استعادةِ حقوقهِ البحريةِ من العدوِ الإسرائيلي، اما ضبطُ معابرِه البريةِ فعمليةٌ مستمرةٌ انفاذاً للقوانينِ والتعليماتِ بحسَبِ المديرِ العام.
وانفاذاً لهذهِ القراراتِ كانَ لا بدَّ من تعزيزِ المعابرِ الشرعيةِ وتفعيلِها، وعليهِ كانَ مرسومُ رفعِ تصنيفِ مكتبِ القاعِ الجمركي في البقاعِ من الفئةِ الثانيةِ إلى الأولى، والذي اكد وزيرُ الاشغال العامة والنقل علي حمية انه يسهل ُحركة َالنقلِ وتصديرِ البضائعِ من لبنانَ نحوَ العالم، وينشطُ الدورةَ الاقتصاديةَ عندَ المزارعينَ والمصدرين .
في صدارةِ الاخبارِ الاقليميةِ الاتفاقُ النوويُ الايرانيُ الذي تَظهَرُ اشعاعاتُه بشكلٍ كبيرٍ من خلالِ الجنونِ الاسرائيلي، فقادةُ الكيان العبري الامنيون والسياسيون مُسْتَنْفَرون للتشويشِ على الاتفاقِ، معتبرينَ انه خطرٌ استراتيجيٌ على كيانِهم كما يقولون، فيما الاقوالُ الاوروبيةُ تتمسكُ بالايجابيةِ عن الاتفاقِ وتتحدثُ عن عائداتِه النفطيةِ الضروريةِ للاسواق..
على شاكلة ليالي لبنان المـُعـْتِمة هي الحال السياسية في البلاد في زحمة الاستحقاقات الحكومية والرئاسية.
على مسافة خمسة أيام فقط من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بدا المشهد الحكومي ملبدًا بالتجاذبات والسجالات التي اشتعلت دفعةٌ منها بين قصر بعبدا والسراي الحكومي خلال الساعات الأخيرة.
لكن اللافت ان الرسائل الطائرة والبيانات الساخنة لم تـَحـُلْ دون اتفاق الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي على مواصلة العمل لتأليف الحكومة فهل يعقد لقاؤهما الخامس قريبًا؟ وأي رهان يمكن أن يـُعـَلـَّق عليه؟!.
في الاستحقاقات الاقتصادية والمالية والحياتية تدهور متواصل على العديد من الجبهات في ظل فوضى وتفلت من أية قواعد ثابتة.
وفي ترجمة لهذه الفوضى هبط دولار السوق السوداء اليوم إلى 32200 ليرة بعدما وصل أمس إلى أكثر من 33600 ليرة.
وفي السياق نفسه يندرج انخفاض أسعار المحروقات ما بين ألف وثمانية آلاف ليرة.
أما بالنسبة للكهرباء فقد تجاوز لبنان قطوعها ونجا من الغرق في العتمة الشاملة بعد الاستعانة بمخزون الفيول (GRADE B) في معملي الزوق والجية فـَحتـَّامَ ستكفي هذه الكمية؟ وهل من رهان كبير عليها قبل أن يمد العراق والجزائر يد العون مجددًا إلى لبنان؟؟.
إقليميًا العين دائمًا على الملف النووي الإيراني حيث رصدت اليوم إعلانات متفائلة بإمكان توقيع الاتفاق خلال أسبوع أو عشرة أيام.
وفيما أكدت طهران انه يمكن التوصل إلى حل في الملف النووي وتحقيق الاتفاق اذا ما تحلت الولايات المتحدة بالواقعية اعلن البيت الأبيض إستعداد واشنطن لكل السيناريوهات.
إما على المستوى الأوروبي فأكد جوزيب بوريل ان الاتفاق النووي في تقدم والرد الأميركي على المقترح الإيراني معقول.
85 لبنان 81 الفليبين… وأصبح لبنان على مشارف التأهل لكأس العالم في كرة الصلح… من النادر هذه الأيام أن يصحو اللبناني أو يغفو أو يعيش على حلم، حياته أصبحت كوابيس متلاحقة، لكن ابطال الأرز حوَّلوا كوابيسه أمس إلى أحلام وآمال… ما يؤكِّد أن لبنان وطن لا يموت، ومن “أهلا بهالطلة” إلى “أهلا بهالسلِّة”… مباراة رياضية احيت الأمل، فماذا لو يتحقق إنجاز واحد في السياسة أو في الإقتصاد، فكم يشتعل البلد بالآمال.
فيما اللبنانيون أمس كانوا بتنهيدة واحدة وشهقة واحدة وتضرع إلى السماء، لم يخيِّب أبطال الأرز آمالهم، فانتزعوا الفوز من بطن الحوت، ليُثبتوا أنهم شعب لا يموت، يثبت المسؤولون والسياسيون يوميًا أن أداءهم يؤدي إلى تيئيس الشعب ودفعه إلى الكفر، فالإشكلات بدل المعالجات، وتواطؤ مع المافيات بدل ضربهم. ففيما السلطة تبشِّر بالعتمة في غياب المعالجات، تبدو كأنها تتواطأ مع أصحاب المولِّدات، المافيا القديمة الجدية التي تكتفي بإرسال رسائل صوتية من بضع كلمات “أطفأنا المولِّد بسبب نفاد المازوت”، علمًا أن المازوت متوافر، لكنهم يضغطون على وزارة الطاقة من أجل رفعِ التسعيرة الشهرية.
تجبُّر مافيا المولِّدات يقابله إما عجز السلطة وإما تواطؤ بعضها، والنتيجة إذلال المواطن. مافيا المولِّدات تطفئ مولداتها وتُقفِل هواتفها، والسلطة عاجزة، والمواطن متروك.
يتحدث وزير الطاقة عن رفع التعرفة، وهي أقل بكثير من جشع أصحاب المولِّدات، ولكن هل يجيبنا معاليه كيف سيتعاطى مع أربعين في المئة من المواطنين والنازحين واللاجئين الذين لا يدفعون كهرباء؟ سيزيد التعرفة على الأوادم والذين هم تحت القانون، ولكن حبذا لو يخبرنا كيف سيجعل الخارجين عن القانون، يدفعون.
أما تشكيل الحكومة، فحدِّث ولا حرج عن السيناريوهات شبه المستحيلة.
لولا اشارة الرئيس ايمانويل ماكرون إلى ان الكرة الآن في ملعب الإيرانيين، لأمكن القول إنَّ الصمت المطبق سيد الموقف حول مصير إحياء الاتفاق النووي بين إيران والغرب، بعد مفاوضات طويلة، كانت آخر محطاتها تسليم الرد الأميركي إلى الجانب الإيراني قبل أيام.
ولولا بعض التحليلات المنشورة في عدد من وسائل الإعلام وعلى لسان بعض المحللين غير الملمِّين بالحقائق الفعلية، لأمكن القول إنَّ الغموض التام يلفُّ مصير المحادثات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، من دون أن تبرز أي معطيات جديدة رسمية وجدية إلى العلن حول زيارة محتملة قريباً للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى المنطقة ولبنان.
ولولا كلام المصادر من هنا وهناك في العموميات الحكومية، لأمكن القول إنَّ مسار تشكيل الحكومة الجديدة اصطدم من جديد بحائط مسدود، بفعل إصرار رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي على ضرب ثلاثية الدستور والميثاق والمعايير الموحدة التي تشكل المدخل الإلزامي لتأليف أي حكومة في لبنان.
أما على خط الاستحقاق الرئاسي، فلولا بعض الترشيحات الفردية، التي كانت باكورتها اليوم رئيس المجلس الأعلى للخصخصة سابقاً زياد حايك، لأمكن القول إنَّ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس لا تبدأ بعد خمسة أيام، أو أن اختيار رئيس الدولة الجديد هو من باب لزوم ما لا يلزم.
ولولا تعمُّد المرشح حايك اليوم التنويه بزوجته الإيرانية وإلمامه باللغة الفارسية، لأمكن القولُ كذلك إنَّ الإعلان عن الترشيح الرسمي الأول أتى عادياً، ويسهم في ملء الوقت الضائع في انتظار بلورة الترشيحات الجدية، على المستويين الداخلي والخارجي.
لكن قبل الدخول في تفاصيل النشرة، البداية مع بارقة الأمل الرياضية في موسم اليأس السياسي.