| رندلى جبور |
عند أربعين توقّفت… كم مَرَّ من العمر!
ورغم كل هذه السّنوات، لم أشعر بأنها كانت طويلة على امتلائها.
ففي الاربعين تنتفض الذاكرة ويحضر الحنين.
وكأنني عِشتُ كل شيء وكأنني لم أعش شيئاً في آن.
عشت نجاحات كبيرة ولكنني أيضاً واجهتُ تحدّيات كثيرة.
عشت الوفاء ولكنني أيضاً استطعمتُ بمرارة الخذلان.
عشت قطرات من فرح وعشت أنهاراً من أحزان.
عشت في ظل ضحكات وابتسامات، واتكأتُ على كتف الدموع مراراً.
عشت الحب المتطرّف وعشت الفراق المؤلم.
عشت الأحلام الجميلة وعشت فترات بلا أحلام.
عشت الآمال بمستحيل أردته ممكناً، وعشت الآلام بسبب ما اعتقدته ممكناً وكان المستحيل.
عشت غمرات بحرارتها، وعشت طعنات ظهر أوجعت.
عشت القلق والخوف، ومررت عبر استراحات.
عشت الانتاج والانجاز، وعشت المشاريع التي دُفنت قبل ولادتها.
عشت الصخب بتعبه، وعشت الهدوء بسأمه.
عشت في انتظارات لا تُعدّ وفي انتكاسات لا تُحصى.
عشت مع وجوه منها لا يزال حاضراً ومنها ما صار الغياب.
وكم مَرَّت في أربعين من أسماء، منها ما عَبَر بلا أثر، ومنها أثّرت وحُفِرت في الوجدان.
عشت قصصاً وحكايات كتبتها وكتبتني، وكأنني كنت بطلة في رواية الحياة والفصول كثيرة.
عشت طلعات ونزلات… صعدتُ آلاف المرّات وهبطتُ آلاف المرّات.
عشت اللقاء والموعد، وعشت الرحيل والموت البِلا مواعيد.
عشت الصّدمات والكدمات وعشت مجانية العطاءات.
عشت الحرمان وعشت الاكتفاء والاحتضان.
تعرّفتُ على المحبة كما على الحسد والحقد والبغض. على الالتزام الصادق وعلى الخيانة. على الايمان وعلى الكفر. على المساعدة وعلى الأذيّة. على الصدق وعلى الكذب. على الموقف وعلى الرمادية. على الشجاعة وعلى الجبن. على كل التناقضات تعرّفت.
ولكنني بقيت في ضفة واحدة نقيّة وبقيت حقيقية رغم كل المزيّف الذي صادفته والذي أشعرني بأنني لا أنتمي إلى هذا الكون بشقّه المعتم.
أن تبقى واقفاً بعد أربعين سنة ممتلئة بكل شيء لهو إعجاز، خصوصاً أذا شعرتَ للحظة أن أربعين مرّت وكأنها فقط لحظة!